يَتِيمًا كَانَ يَحْضُرُ طَعَامَ ابْنَ عُمَرَ، فَدَعَا ذَاتَ يَوْمٍ بِطَعَامِهِ، وَطَلَبَ الْيَتِيمَ فَلَمْ يَجِدْهُ، وجاءه بعد ما فَرَغَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ طَعَامِهِ فَلَمْ يَجِدِ الطَّعَامَ، فَدَعَا لَهُ بِسَوِيقٍ وَعَسَلٍ، فَقَالَ: دُونَكَ هَذَا، فَوَاللَّهِ مَا غُبِنْتَ، قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ عُمَرَ: وَاللَّهِ مَا غُبِنَ. وَأَسِيراً أَيِ الَّذِي يُؤْسَرُ فَيُحْبَسُ. فَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَسِيرُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ يَكُونُ في أيديهم. وقاله قَتَادَةُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْأَسِيرُ هُوَ الْمَحْبُوسُ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ ابن جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: هُوَ الْمُسْلِمُ يُحْبَسُ بِحَقٍّ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَ قَوْلِ قَتَادَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ قَتَادَةُ: لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْأَسْرَى أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ أَسْرَاهُمْ يَوْمَئِذٍ لَأَهْلُ الشِّرْكِ، وَأَخُوكَ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ أَنْ تُطْعِمَهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْأَسِيرُ الْعَبْدُ. وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ: الْأَسِيرُ الْمَرْأَةُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: [اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ [أَيْ أَسِيرَاتٌ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً فَقَالَ: (الْمِسْكِينُ الْفَقِيرُ، وَالْيَتِيمُ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ، وَالْأَسِيرُ الْمَمْلُوكُ وَالْمَسْجُونُ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَقِيلَ: نَسَخَ إِطْعَامَ الْمِسْكِينِ آيَةُ الصَّدَقَاتِ، وَإِطْعَامَ الْأَسِيرِ [آيَةُ] السَّيْفُ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ هُوَ ثَابِتُ الْحُكْمِ، وَإِطْعَامُ الْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَإِطْعَامُ الْأَسِيرِ لِحِفْظِ نَفْسِهِ إِلَّا أَنْ يَتَخَيَّرَ فِيهِ الْإِمَامُ. الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَسِيرِ النَّاقِصَ الْعَقْلَ، لِأَنَّهُ فِي أَسْرِ خَبْلِهِ وَجُنُونِهِ، وَأَسْرُ الْمُشْرِكِ انْتِقَامٌ يَقِفُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَهَذَا بِرٌّ وَإِحْسَانٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْأَسِيرُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهِمْ. قُلْتُ: وَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عَامٌّ يَجْمَعُ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ، وَيَكُونُ إِطْعَامُ الْأَسِيرِ الْمُشْرِكِ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، غَيْرَ أَنَّهُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَأَمَّا الْمَفْرُوضَةُ فَلَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَضَى الْقَوْلُ فِي الْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ وَالْأَسِيرِ وَاشْتِقَاقُ ذَلِكَ مِنَ اللُّغَةِ فِي" البقرة" «١» مستوفى والحمد لله.
(١). راجع ج ٢ ص ١٤ فما بعدها وص ٢١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute