للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرْقَ تَطْهِيرُ لِتَغَيُّرِ الصِّفَاتِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمَرْتَكِ «١» يُصْنَعُ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ إِذَا وَضَعَهُ فِي جُرْحِهِ لَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ. وَإِنْ كَانَتِ الْمَيْتَةُ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُتَدَاوَى بِهَا بِحَالٍ وَلَا بِالْخِنْزِيرِ، لِأَنَّ مِنْهَا عِوَضًا حَلَالًا بِخِلَافِ الْمَجَاعَةِ. وَلَوْ وُجِدَ مِنْهَا عِوَضٌ فِي الْمَجَاعَةِ لَمْ تُؤْكَلْ. وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ لَا يُتَدَاوَى بِهَا، قَالَهُ مَالِكٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ شُرْبُهَا لِلتَّدَاوِي دُونَ الْعَطَشِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ شُرْبُهَا لِلْعَطَشِ دُونَ التَّدَاوِي، لِأَنَّ ضَرَرَ الْعَطَشِ عَاجِلٌ بِخِلَافِ التَّدَاوِي. وَقِيلَ: يَجُوزُ شُرْبُهَا لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَمَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ التَّدَاوِي بِكُلِّ مُحَرَّمٍ إِلَّا بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ خَاصَّةً، لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينِ. وَمَنَعَ بَعْضُهُمُ التَّدَاوِي بِكُلِّ مُحَرَّمٍ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ)، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِطَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ، إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٍ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَيَّدَ بِحَالَةِ الِاضْطِرَارِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالسُّمِّ وَلَا يجوز شربه، والله أعلم. الموفية ثلاثين- قوله تعالى:" غَيْرَ باغٍ"" غَيْرَ" نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَإِذَا رَأَيْتَ" غَيْرَ" يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهِ" فِي" فَهِيَ حَالٌ، وَإِذَا صَلُحَ مَوْضِعُهَا" إلا" فهي استثناء، فقس عليه. و" باغ" أَصْلُهُ بَاغِي، ثُقِّلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَسُكِّنَتْ وَالتَّنْوِينُ سَاكِنٌ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ وَالْكَسْرَةُ تَدُلُّ عَلَيْهَا. وَالْمَعْنَى فِيمَا قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ وَابْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ" غَيْرَ باغٍ" فِي أَكْلِهِ فَوْقَ حَاجَتِهِ،" وَلا عادٍ" بِأَنْ يَجِدَ عَنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ مَنْدُوحَةً وَيَأْكُلَهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ:" غَيْرَ باغٍ" فِي أَكْلِهَا شَهْوَةً وَتَلَذُّذًا،" وَلا عادٍ" بِاسْتِيفَاءِ الْأَكْلِ إِلَى حَدِّ الشِّبَعِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا: الْمَعْنَى" غَيْرَ باغٍ" عَلَى الْمُسْلِمِينَ" وَلا عادٍ" عَلَيْهِمْ، فَيَدْخُلُ فِي الْبَاغِي وَالْعَادِيِّ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَالْخَارِجُ عَلَى السُّلْطَانِ وَالْمُسَافِرُ فِي قطع الرحم والغارة على


(١). المرتك (كمقعد): ضرب من الأدوية.