للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ عَسِيرًا شَدِيدًا كَمَا قَالَ: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: ١٨٧]. أَيْ يَتْرُكُونَ الْإِيمَانَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: وَراءَهُمْ أَيْ خَلْفَهُمْ، أَيْ وَيَذَرُونَ الْآخِرَةَ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ، فَلَا يَعْمَلُونَ لَهَا. وَقِيلَ:" نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ فِيمَا كَتَمُوهُ مِنْ صِفَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ. وَحُبُّهُمُ الْعَاجِلَةَ: أَخْذُهُمُ الرِّشَا عَلَى مَا كَتَمُوهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ الْمُنَافِقِينَ، لِاسْتِبْطَانِهِمُ الْكُفْرَ وَطَلَبَ الدُّنْيَا. وَالْآيَةُ تَعُمُّ. وَالْيَوْمُ الثَّقِيلُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ ثَقِيلًا لِشَدَائِدِهِ وَأَهْوَالِهِ. وَقِيلَ: لِلْقَضَاءِ فِيهِ بَيْنَ عِبَادِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ أَيْ مِنْ طِينٍ. وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ أَيْ خَلْقَهُمْ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُمْ. وَالْأَسْرُ الْخَلْقُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَالُ فَرَسٌ شَدِيدُ الْأَسْرِ أَيِ الْخَلْقِ. وَيُقَالُ أَسَرَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِذَا شَدَّدَ خَلْقَهُ، قَالَ لَبِيدٌ:

سَاهِمُ الْوَجْهِ شَدِيدٌ أَسْرُهُ ... مُشْرِفُ الْحَارِكِ مَحْبُوكُ الْكَتِدَ «١»

وَقَالَ الْأَخْطَلُ:

مِنْ كُلِّ مُجْتَنِبٍ شَدِيدِ أَسْرُهُ ... سَلِسِ الْقِيَادِ تَخَالُهُ مُخْتَالًا «٢»

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ: شَدَدْنَا مَفَاصِلَهُمْ وَأَوْصَالَهُمْ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي تَفْسِيرِ الْأَسْرِ: هُوَ الشَّرْجُ، أَيْ إِذَا خَرَجَ الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ تَقَبَّضَ الْمَوْضِعُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ الْقُوَّةُ. وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ يَصِفُ فَرَسًا:

يَمْشِي بِأَوْظِفَةٍ شِدَادٍ أَسْرُهَا ... صُمِّ السَّنَابِكِ لَا تَقِي بِالْجَدْجَدِ «٣»

وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْإِسَارِ وَهُوَ الْقِدُّ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْأَقْتَابُ، يُقَالُ: أَسَرْتُ الْقَتَبَ أَسْرًا أَيْ شَدَدْتُهُ وَرَبَطْتُهُ، وَيُقَالُ: مَا أَحْسَنَ أَسْرَ قَتَبِهِ أَيْ شَدِّهِ وَرَبْطِهِ، ومنه قولهم: خذه


(١). ورد في اللسان مادة (حبك) أنشد بيت لبيد على هذه الصورة: مشرف الحارك محبوك الكفل (وكذلك هو في ديوانه) ومحبوك الكفل: مدمجة. وفي مادة حرك أنشد الشطر:
مغبط الحارك محبوك الكفل

أما الشطر الذي في التفسير هنا فهو لابي دواد وقد مر في ج ١٧ ص ٣٢.
(٢). مجتنب: مفتعل من الجنيبة وهي الفرس تقاد ولا تركب وكانوا يركبون الإبل ويجنبون الخيل فإذا صاروا إلى الحرب ركبوا الخيل.
(٣). الجدجد: الأرض الصلبة. ولا تقي: لا تتوقى ولا تتهيب.