للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

: فِي أَخِيهِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ حَبِيبٍ يَقُولُ: الكافر: ها هنا إِبْلِيسُ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَابَ آدَمَ بِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، وَافْتَخَرَ بِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَارٍ، فَإِذَا عَايَنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا فِيهِ آدَمُ وَبَنُوهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالرَّاحَةِ، وَالرَّحْمَةِ، وَرَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْعَذَابِ، تَمَنَّى أَنَّهُ يكون بمكان آدم، فقُولُ:

الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

قَالَ: وَرَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ لِلْقُشَيْرِيِّ أَبِي نَصْرٍ. وَقِيلَ: أَيْ يَقُولُ إِبْلِيسُ يَا لَيْتَنِي خُلِقْتُ مِنَ التُّرَابِ وَلَمْ أَقُلْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ آدَمَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ، وَحُشِرَ الدَّوَابُّ وَالْبَهَائِمُ وَالْوُحُوشُ، ثُمَّ يُوضَعُ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ، حَتَّى يُقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ بِنَطْحَتِهَا، فَإِذَا فُرِغَ مِنَ الْقِصَاصِ بَيْنَهَا قِيلَ لَهَا: كُونِي تُرَابًا، فَعِنْدَ ذلك قُولُ الْكافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

. وَنَحْوَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ، بِأَحْوَالِ الْمَوْتَى وَأُمُورِ الْآخِرَةِ"، مُجَوَّدًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّازِقِ، قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ الْجَزْرِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْشُرُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مِنْ دَابَّةٍ وَطَائِرٍ وَإِنْسَانٍ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ كُونِي تُرَابًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قُولُ الْكافِرُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

. وَقَالَ قَوْمٌ: الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

: أَيْ لَمْ أُبْعَثْ، كَمَا قَالَ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِذَا قُضِيَ بَيْنَ النَّاسِ، وَأُمِرَ بِأَهْلِ الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، قِيلَ لِسَائِرِ الْأُمَمِ وَلِمُؤْمِنِي الْجِنِّ: عُودُوا تُرَابًا، فَيَعُودُونَ تُرَابًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ حِينَ يراهم الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

. وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ: مُؤْمِنُو الْجِنِّ يَعُودُونَ تُرَابًا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزَّهْرِيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: مُؤْمِنُو الْجَنَّةِ حَوْلَ الْجَنَّةِ فِي رَبَضٍ وَرِحَابٍ وَلَيْسُوا فِيهَا. وَهَذَا أَصَحُّ، وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" الرَّحْمَنِ" «١» بَيَانُ هَذَا، وَأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ: يُثَابُونَ وَيُعَاقَبُونَ، فَهُمْ كبني آدم، والله أعلم بالصواب.


(١). راجع ج ١٧ ص ١٦٩