فَقَالَ: [اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ أَسَدَ الْغَاضِرَةِ «١»] فَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ بِتِجَارَةٍ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْغَاضِرَةِ تَذَكَّرَ دُعَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لِمَنْ مَعَهُ أَلْفَ دِينَارٍ إِنْ هُوَ أَصْبَحَ حَيًّا، فَجَعَلُوهُ فِي وَسَطِ الرُّفْقَةِ، وَجَعَلُوا الْمَتَاعَ حَوْلَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ الْأَسَدُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الرِّحَالِ وَثَبَ، فَإِذَا هُوَ فَوْقَهُ فَمَزَّقَهُ، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ نَدَبَهُ وَبَكَى وَقَالَ: مَا قَالَ مُحَمَّدٌ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا كَانَ. وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا أَكْفَرَهُ: أَيُّ شي أَكْفَرَهُ؟ وَقِيلَ: مَا تَعَجُّبٌ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ إِذَا تعجبوا من شي قَالُوا: قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَحْسَنَهُ! وَأَخْزَاهُ اللَّهُ مَا أَظْلَمَهُ، وَالْمَعْنَى: اعْجَبُوا مِنْ كُفْرِ الْإِنْسَانِ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا بَعْدَ هَذَا. وَقِيلَ: مَا أَكْفَرَهُ بِاللَّهِ وَنِعَمِهِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِكَثْرَةِ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ عَلَى التَّعَجُّبِ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَيْ مَا أَشَدَّ كُفْرَهُ! وَقِيلَ: مَا اسْتِفْهَامٌ أي أي شي دعاه إلى الكفر، فهو استفهام توبيخ. وما تَحْتَمِلُ التَّعَجُّبَ، وَتَحْتَمِلُ مَعْنَى أَيَّ، فَتَكُونُ اسْتِفْهَامًا. (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أَيْ مِنْ أَيِّ شي خَلَقَ اللَّهُ هَذَا الْكَافِرَ فَيَتَكَبَّرَ؟ أَيِ اعْجَبُوا لِخَلْقِهِ. مِنْ نُطْفَةٍ أَيْ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ مَهِينٍ جَمَادٍ خَلَقَهُ فَلَمْ يَغْلَطْ فِي نَفْسِهِ؟! قَالَ الْحَسَنُ: كَيْفَ يَتَكَبَّرُ مَنْ خَرَجَ مِنْ سَبِيلِ الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ. فَقَدَّرَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. كَذَا رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ قَدَّرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَسَائِرَ آرَابِهِ، وَحَسَنًا وَدَمِيمًا، وَقَصِيرًا وَطَوِيلًا، وَشَقِيًّا وَسَعِيدًا. وَقِيلَ: فَقَدَّرَهُ أَيْ فَسَوَّاهُ كَمَا قَالَ: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا. وَقَالَ: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ. وَقِيلَ: فَقَدَّرَهُ أَطْوَارًا أَيْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً، إِلَى أَنْ تَمَّ خَلْقُهُ. (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَمُقَاتِلٍ: يَسَّرَهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ. مُجَاهِدٌ: يَسَّرَهُ لِطَرِيقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، أَيْ بَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ. دَلِيلُهُ: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أيضا قال: سبيل
(١). كذا لفظ الحديث في الأصول ورواية أبي حيان له: (اللهم ابعث عليه كلبك يأكله" ثم قال: فلما انتهى إلى الغاضرة ... إلخ.)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute