للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِوَلَدِهِ) وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَمُتَعَلِّقُهُمْ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى بِالدِّيَةِ مُغَلَّظَةً فِي قَاتِلِ ابْنِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَسْأَلَةَ مُسْجَلَةً «١»، [وَقَالُوا «٢»: لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ [، وَأَخَذَهَا مَالِكٌ مُحْكَمَةً مُفَصَّلَةً فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ وَهَذِهِ حَالَةٌ مُحْتَمَلَةٌ لِقَصْدِ الْقَتْلِ وَعَدَمِهِ، وَشَفَقَةُ الْأُبُوَّةِ شُبْهَةٌ مُنْتَصِبَةٌ شَاهِدَةٌ بِعَدَمِ الْقَصْدِ إِلَى الْقَتْلِ تُسْقِطُ الْقَوَدَ، فَإِذَا أَضْجَعَهُ كشف الْغِطَاءَ عَنْ قَصْدِهِ فَالْتَحَقَ بِأَصْلِهِ". قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَكَانَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقُولُونَ: إِذَا قَتَلَ الِابْنُ الْأَبَ قُتِلَ بِهِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَطَ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:" وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ" [المائدة: ٤٥]. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِصَاصِ فِي الْآيَةِ قَتْلُ مَنْ قَتَلَ كَائِنًا مَنْ كَانَ، رَدًّا عَلَى الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ بِمَنْ قُتِلَ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ، وَتَقْتُلْ فِي مُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ مِائَةً، افْتِخَارًا وَاسْتِظْهَارًا بِالْجَاهِ وَالْمَقْدِرَةِ، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقْتَلَ مَنْ قَتَلَ، وَقَدْ قَتَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعَةً بِرَجُلٍ بِصَنْعَاءَ وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعًا. وَقَتَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَرُورِيَّةَ «٣» بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، فَإِنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ قِتَالِهِمْ حَتَّى يُحْدِثُوا، فَلَمَّا ذَبَحُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، وَأُخْبِرَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ! نَادُوهُمْ أَنْ أَخْرِجُوا إِلَيْنَا قَاتِلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَصْحَابِهِ: دُونَكُمُ الْقَوْمَ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ) خَرَّجَ الْحَدِيثَيْنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ. وَفِي التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ). وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَأَيْضًا فَلَوْ عَلِمَ الْجَمَاعَةُ أَنَّهُمْ إِذَا قَتَلُوا الْوَاحِدَ لَمْ يُقْتَلُوا لِتَعَاوُنِ الْأَعْدَاءِ عَلَى قَتْلِ أَعْدَائِهِمْ بِالِاشْتِرَاكِ فِي قَتْلِهِمْ وَبَلَغُوا الأمل من التشفي،


(١). أي مرسلة مطلقة.
(٢). زيادة عن ابن العربي.
(٣). الحرورية: طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء (موضع قريب من الكوفة) لان أول مجتمعهم وتحكيمهم فيها.