للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آخَرُونَ: لَيْسَ لِوَلِيِ الْمَقْتُولِ إِلَّا الْقِصَاصُ، وَلَا يَأْخُذُ الدِّيَةَ إِلَّا إِذَا رَضِيَ الْقَاتِلُ، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الرَّبِيعِ «١» حِينَ كُسِرَتْ ثَنِيَّةُ الْمَرْأَةِ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ قَالُوا: فَلَمَّا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ وَقَالَ: (الْقِصَاصُ كتاب الله، القصاص كتاب الله) ولم يخبر الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِي الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْمَذْكُورِ. وَرَوَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قال: أخبرني أبو حنيفة ابن سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ الشِّهَابِيُّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ: (مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِنْ أَحَبَّ أَخَذَ الْعَقْلَ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقَوَدُ). فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَقُلْتُ لِابْنِ أَبِي ذِئْبٍ: أَتَأْخُذُ بِهَذَا يَا أَبَا الْحَارِثِ فَضَرَبَ صَدْرِي وَصَاحَ عَلَيَّ صِيَاحًا كَثِيرًا وَنَالَ مِنِّي وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: تَأْخُذُ بِهِ! نَعَمْ آخُذُ بِهِ، وَذَلِكَ الْفَرْضُ عَلَيَّ وَعَلَى مَنْ سَمِعَهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ اخْتَارَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ فَهَدَاهُمْ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ، وَاخْتَارَ لَهُمْ مَا اخْتَارَهُ لَهُ وَعَلَى لِسَانِهِ، فَعَلَى الْخَلْقِ أَنْ يَتَّبِعُوهُ طَائِعِينَ أَوْ دَاخِرِينَ، لَا مَخْرَجَ لِمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَمَا سَكَتَ عَنِّي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ يَسْكُتَ. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ" اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ" مَنْ" وَ" عُفِيَ" عَلَى تَأْوِيلَاتٍ خَمْسٍ: أَحَدُهَا- أَنَّ" مَنْ" يُرَادُ بها القاتل، و" عفي" تَتَضَمَّنُ عَافِيًا هُوَ وَلِيُّ الدَّمِ، وَالْأَخُ هُوَ المقتول، و" شي" هُوَ الدَّمُ الَّذِي يُعْفَى عَنْهُ وَيُرْجَعُ إِلَى أَخْذِ الدِّيَةِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَالْعَفْوُ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى بَابِهِ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عن دم مقتول وَأَسْقَطَ الْقِصَاصَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الدِّيَةَ وَيَتَّبِعُ بِالْمَعْرُوفِ، ويؤدي إليه القاتل بإحسان.


(١). الربيع (بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد المثناة المكسورة بعدها عين مهملة) وهى عمة أنس بن مالك.