للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى الْبَحْرِ، فَقَالَ: يَا خَنَّاسُ، فَحَيِيَ فَأَجَابَهُ. فَجَاءَ بِهِ إِلَى حَوَّاءَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ: اكْفُلِيهِ. فَنَظَرَ، إِلَيْهِ آدَمُ، فَذَبَحَهُ وَشَوَاهُ، وَأَكَلَاهُ جَمِيعًا. فَجَاءَ إِبْلِيسُ فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ [حَوَّاءُ «١»]. فَقَالَ: يَا خَنَّاسُ، فَحَيِيَ فَأَجَابَهُ [فَجَاءَ بِهِ] مِنْ جَوْفِ آدَمَ وَحَوَّاءَ. فَقَالَ إِبْلِيسُ: هَذَا الَّذِي أَرَدْتُ، وَهَذَا مَسْكَنُكَ فِي صَدْرِ وَلَدِ آدَمَ، فَهُوَ ملتقم قلب ابن آدَمَ مَا دَامَ غَافِلًا يُوَسْوِسُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ لَفَظَ قَلْبَهُ وَانْخَنَسَ. ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ بِإِسْنَادٍ عَنْ وهب ابن مُنَبِّهٍ. وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ «٢» [التكوير: ١٥] يَعْنِي النُّجُومَ، لِاخْتِفَائِهَا بَعْدَ ظُهُورِهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَخْنِسُ إِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ اللَّهَ، أَيْ يَتَأَخَّرُ. وَفِي الْخَبَرِ [إِنَّ الشَّيْطَانَ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابن آدم، ف إذا غفل وموس، وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ] أَيْ تَأَخَّرَ وَأَقْصَرَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْخَنَّاسِ الشَّيْطَانُ لَهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ الْكَلْبِ فِي صَدْرِ الْإِنْسَانِ، فَإِذَا غَفَلَ الْإِنْسَانُ «٣» وَسْوَسَ لَهُ، وَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ. يُقَالُ: خَنَسْتُهُ فَخَنَسَ، أَيْ أَخَّرْتُهُ فَتَأَخَّرَ. وَأَخْنَسْتُهُ أَيْضًا. وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الْعَلَاءِ الْحَضْرَمِيِّ- أَنْشَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

وَأَنَّ دحسوا بالشر فاعف تكرما ... وإن خنسوا عند «٤» الْحَدِيثَ فَلَا تَسَلْ

الدَّحْسُ: الْإِفْسَادُ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ، وَإِذَا نُسِيَ اللَّهُ الْتَقَمَ قَلْبَهُ فَوَسْوَسَ]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ الْعَبْدُ خَنَسَ مِنْ قَلْبِهِ فَذَهَبَ، وَإِذَا غَفَلَ الْتَقَمَ قَلْبَهُ فَحَدَّثَهُ وَمَنَّاهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: أَوَّلُ مَا يَبْدُو الْوَسْوَاسُ مِنْ قِبَلِ الْوُضُوءِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ خَنَّاسًا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِذَا غَفَلَ الْعَبْدُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَالْخَنَسُ: الرُّجُوعُ. وَقَالَ الرَّاجِزُ:

وَصَاحِبٍ يَمْتَعِسُ «٥» امتعاسا ... يزداد إن حييته «٦» خناسا


(١). زيادة عن الترمذي الحكيم.
(٢). آية ١٥ سورة التكوير.
(٣). في نسخة من الأصل (ابن آدم).
(٤). في اللسان: (عنك).
(٥). يمتعس: يتحرك.
(٦). في بعض الأصول (جتتته) وبعضها (جننته) وفي بعضها بدون إعجام.