الشَّهْوَةُ قَلَّتِ الْمَعَاصِي. وَهَذَا وَجْهٌ مَجَازِيٌّ حَسَنٌ. وَقِيلَ: لِتَتَّقُوا الْمَعَاصِيَ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْعُمُومِ، لِأَنَّ الصِّيَامَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَوِجَاءٌ) «١» وَسَبَبُ تَقْوَى، لِأَنَّهُ يُمِيتُ الشَّهَوَاتِ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ"" أَيَّاماً" مَفْعُولٌ ثَانٍ بِ" كُتِبَ"، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ لِ" كُتِبَ"، أَيْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ فِي أَيَّامٍ. وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" فِيهِ سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" مَرِيضاً" لِلْمَرِيضِ حَالَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَلَّا يُطِيقَ الصَّوْمَ بِحَالٍ، فَعَلَيْهِ الْفِطْرُ وَاجِبًا. الثَّانِيَةُ- أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ بِضَرَرٍ وَمَشَقَّةٍ، فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ وَلَا يَصُومُ إِلَّا جَاهِلٌ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَتَى حَصَلَ الْإِنْسَانُ فِي حَالٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا اسْمَ الْمَرَضِ صَحَّ الْفِطْرُ، قِيَاسًا عَلَى الْمُسَافِرِ لِعِلَّةِ السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ تَدْعُ إِلَى الْفِطْرِ ضرورة. قال طريف ابن تَمَّامٍ الْعُطَارِدِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إِنَّهُ وَجِعَتْ أُصْبُعِي هَذِهِ. وَقَالَ جُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِذَا كَانَ بِهِ مَرَضٌ يُؤْلِمُهُ وَيُؤْذِيهِ أَوْ يَخَافُ تَمَادِيَهُ أَوْ يَخَافُ تَزَيُّدَهُ صَحَّ لَهُ الْفِطْرُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مَذْهَبُ حُذَّاقِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبِهِ يُنَاظِرُونَ. وَأَمَّا لَفْظُ مَالِكٍ فَهُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى الْمَرْءِ وَيَبْلُغُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ، فَقَالَ مَرَّةً: هُوَ خَوْفُ التَّلَفِ مِنَ الصِّيَامِ. وَقَالَ مَرَّةً: شِدَّةُ الْمَرَضِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ وَالْمَشَقَّةُ الْفَادِحَةُ. وَهَذَا صَحِيحُ مَذْهَبِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ مَرَضًا مِنْ مَرَضٍ فَهُوَ مُبَاحٌ فِي كُلِّ مَرَضٍ، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدليل من الصداع والحمى والمرضى الْيَسِيرِ الَّذِي لَا كُلْفَةَ مَعَهُ فِي الصِّيَامِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا لَمْ يَقْدِرْ مِنَ الْمَرَضِ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا أَفْطَرَ، وَقَالَهُ النَّخَعِيُّ. وَقَالَتْ فرقة: لا يفطر بالمرض إلا من
(١). الوجاء: أن ترض أنثيا الفحل رضا شديدا يذهب شهوة الجماع، وينزل في قطعة منزلة الخصى. أراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطعه الوجاء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute