فَأَظْهَرَ الْوَاوَ فِي الطَّوْقِ، وَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ وَاضِعَ الْيَاءِ مَكَانَهَا يُفَارِقُ الصَّوَابَ. وَرَوَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" يَطَّيَّقُونَهُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْيَاءِ مَفْتُوحَتَيْنِ بِمَعْنَى يُطِيقُونَهُ، يُقَالُ: طَاقَ وَأَطَاقَ وَأُطِيقُ بِمَعْنًى. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَعَائِشَةَ وَطَاوُسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ" يَطَّوَّقُونَهُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَشَدَّ الطَّاءِ مَفْتُوحَةً، وَهِيَ صَوَابٌ فِي اللُّغَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ يَتَطَوَّقُونَهُ فَأُسْكِنَتِ التَّاءُ وَأُدْغِمَتْ فِي الطَّاءِ فَصَارَتْ طَاءً مُشَدَّدَةً، وَلَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، خِلَافًا لِمَنْ أَثْبَتَهَا قُرْآنًا، وَإِنَّمَا هِيَ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ" فِدْيَةُ طَعَامٍ" مُضَافًا،" مَسَاكِينَ" جَمْعًا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ" طَعَامُ مِسْكِينٍ" بِالْإِفْرَادِ فِيمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ. وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ، لِأَنَّهَا بَيَّنَتِ الْحُكْمَ فِي الْيَوْمِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَبَيَّنَتْ أَنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ إِطْعَامُ وَاحِدٍ، فَالْوَاحِدُ مُتَرْجَمٌ عَنِ الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ الْجَمِيعُ بِمُتَرْجَمٍ عَنْ وَاحِدٍ. وَجَمْعُ الْمَسَاكِينِ لَا يُدْرَى كَمْ مِنْهُمْ فِي اليوم الأمن غَيْرِ الْآيَةِ. وَتُخَرَّجُ قِرَاءَةُ الْجَمْعِ فِي" مَسَاكِينَ" لَمَّا كَانَ الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ جَمْعٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَلْزَمُهُ مِسْكِينٌ فَجُمِعَ لَفْظُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً «١» " [النور: ٤] أَيِ اجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، فَلَيْسَتِ الثَّمَانُونَ مُتَفَرِّقَةً فِي جَمِيعِهِمْ، بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَانُونَ، قَالَ مَعْنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ. وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ الْجَمْعِ النَّحَّاسُ قَالَ: وَمَا اخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يُعْرَفُ بِالدَّلَالَةِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَعْنَى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامٌ مَسَاكِينَ" أَنَّ لِكُلِ يَوْمٍ مِسْكِينًا، فَاخْتِيَارُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لِتَرُدَّ جَمْعًا عَلَى جَمْعٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنْ يُقْرَأَ" فِدْيَةٌ طَعامُ" قَالَ: لِأَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْفِدْيَةُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ نَعْتًا لِأَنَّهُ جوهر ولكنه يجوز على البدل، وأبين من أَنْ يُقْرَأَ" فِدْيَةٌ طَعامُ" بِالْإِضَافَةِ، لِأَنَّ" فِدْيَةٌ" مبهمة تقع للطعام وغيره، فصار مِثْلَ قَوْلِكَ: هَذَا ثَوْبٌ خَزٌّ. الثَّانِيَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْآيَةِ، فَقِيلَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. رَوَى الْبُخَارِيُّ:" وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا [الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا] عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ
(١). راجع ج ١٢ ص ١٧١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute