للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ليس عليه شي على حديث أَبِي هُرَيْرَةَ. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكٌ: وَزَعَمُوا أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ! وضحك. وقال ابن المنذر: لا شي عَلَيْهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا: (يَتِمُّ صَوْمَهُ) وَإِذَا قَالَ (يَتِمُّ صَوْمَهُ) فَأَتَمَّهُ فَهُوَ صَوْمٌ تَامٌّ كَامِلٌ. قُلْتُ: وَإِذَا كَانَ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَصَوْمَهُ صَوْمٌ تَامٌّ فَعَلَيْهِ إِذَا جَامَعَ عَامِدًا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- كَمَنْ لَمْ يُفْطِرْ نَاسِيًا. وَقَدِ احْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى إِيجَابِ الْقَضَاءِ بِأَنْ قَالُوا: الْمَطْلُوبُ منه صيام يوم تام لا يقع فيه خَرْمٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ" وَهَذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ عَلَى التَّمَامِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لِخِفَّتِهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) فَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً وَلَا تَعَرَّضَ لَهُ، بَلِ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ سُقُوطُ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْأَمْرُ بِمُضِيِّهِ عَلَى صَوْمِهِ وَإِتْمَامِهِ، هَذَا إِنْ كَانَ وَاجِبًا فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ من القضاء. وأما صَوْمُ التَّطَوُّعِ فَلَا قَضَاءَ فِيهِ لِمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ). قُلْتُ: هَذَا مَا احْتَجَّ بِهِ عُلَمَاؤُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ، لَوْلَا مَا صَحَّ عَنِ الشَّارِعِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ جَاءَ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (من أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنِ الْأَنْصَارِيِّ، فَزَالَ الِاحْتِمَالُ وَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَحْظُورَاتِ الصِّيَامِ وَهِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُبَاشَرَةَ الَّتِي هِيَ اتِّصَالُ الْبَشَرَةِ بِالْبَشَرَةِ كَالْقُبْلَةِ وَالْجَسَّةِ وَغَيْرِهَا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ وَبَاشَرَ، لِأَنَّ فَحْوَى الْكَلَامِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا أَبَاحَهُ اللَّيْلُ وَهُوَ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهَا بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ، وَلِذَلِكَ شَاعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ، وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ فِيهِ، فَمِنْ ذَلِكَ الْمُبَاشَرَةُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُكْرَهُ لِمَنْ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهَا، لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا إِلَى مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. رَوَى مالك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدِ

اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ