للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ سَاعَةً. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ صَوْمٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اعْتِكَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي رَمَضَانَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ رَمَضَانَ لِرَمَضَانَ وَلِغَيْرِهِ. وَلَوْ نَوَى الْمُعْتَكِفُ فِي رَمَضَانَ بِصَوْمِهِ التَّطَوُّعُ وَالْفَرْضُ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَيْلَ الْمُعْتَكِفِ يَلْزَمُهُ فِيهِ مِنَ اجْتِنَابٍ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ مَا يَلْزَمُهُ في نهاره، وأن ليله داخل أفي اعْتِكَافِهِ، وَأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ صَوْمٍ، فَكَذَلِكَ نَهَارُهُ لَيْسَ بِمُفْتَقِرٍ إِلَى الصَّوْمِ، وَإِنْ صَامَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: لَا يَصِحُّ إِلَّا بِصَوْمٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصِيَامٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ:" وَكُلُوا وَاشْرَبُوا" إِلَى قَوْلِهِ:" فِي الْمَساجِدِ" وَقَالَا: فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الِاعْتِكَافَ مَعَ الصِّيَامِ. قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا. وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بن بديل عن عمر بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَلَيْهِ [أَنْ يَعْتَكِفَ «١»] فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا [عِنْدَ الْكَعْبَةِ «٢»] فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" اعْتَكِفْ وَصُمْ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ بُدَيْلٍ عَنْ عَمْرٍو وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصِيَامٍ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالُوا: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصَّوْمِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلِاعْتِكَافُ، بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ لَهُ وَلِرَمَضَانَ وَلِنَذْرٍ وَلِغَيْرِهِ، فَإِذَا نَذَرَهُ الناذر فإنما ينصرف نذره إِلَى مُقْتَضَاهُ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ، وَهَذَا كَمَنْ نذر صلاة فإنما تَلْزَمُهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا خَاصَّةً بَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا بِطَهَارَةٍ لِغَيْرِهَا. الْمُوَفِّيَةُ ثَلَاثِينَ- وَلَيْسَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ معتكفة إلا لما لأبد لَهُ مِنْهُ، لِمَا رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اعتكف يدنى إلى رأسه


(١). الزيادة عن سنن أبي داود.
(٢). الزيادة عن سنن أبي داود.