للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" يَقْتَضِي كَوْنَ جَمِيعِهَا مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَجَمِيعِهَا مَوَاقِيتَ لِلْحَجِّ، وَلَوْ أَرَادَ التَّبْعِيضَ لَقَالَ: بَعْضُهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَبَعْضُهَا مَوَاقِيتُ لِلْحَجِّ. وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مِيقَاتٌ لِصَوْمِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَهُ مِيقَاتٌ لِصَوْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْجَارِيَةِ فَصَحِيحٌ، لِأَنَّ كَوْنَهَا جَمْعَاءَ لِزَيْدٍ مَعَ كَوْنِهَا جَمْعَاءَ لِعَمْرٍو مُسْتَحِيلٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الزَّمَانَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِيقَاتًا لِزَيْدٍ وَمِيقَاتًا لِعَمْرٍو، فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ. التَّاسِعَةُ- لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ بَاعَ مَعْلُومًا مِنَ السِّلَعِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مِنْ شُهُورِ الْعَرَبِ أَوْ إِلَى أَيَّامٍ مَعْرُوفَةِ الْعَدَدِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي السَّلَمِ إِلَى الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْ بَاعَ إِلَى الْحَصَادِ أَوْ إِلَى الدِّيَاسِ أَوْ إِلَى الْعَطَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَلَّا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. وَكَذَلِكَ إِلَى قُدُومِ الْغُزَاةِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَاعُ إِلَى الْعَطَاءِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ. ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ وَجَعَلَهَا عَلَمًا لِآجَالِهِمْ فِي بِيَاعَاتِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ. كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالنُّعْمَانُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ. العاشرة- إذا رؤي الْهِلَالُ كَبِيرًا فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يُعَوَّلُ عَلَى كِبَرِهِ وَلَا عَلَى صِغَرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ لَيْلَتِهِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا لِلْعُمْرَةِ فَلَمَّا نَزَلْنَا بِبَطْنِ نَخْلَةَ قَالَ: تَرَاءَيْنَا الْهِلَالَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. قَالَ: فَلَقِيَنَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْنَا: إِنَّا رَأَيْنَا الْهِلَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ: أَيَّ لَيْلَةٍ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ مَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ) فَهُوَ لِلَّيْلَةِ رَأَيْتُمُوهُ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها" اتَّصَلَ هَذَا بِذِكْرِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ لِاتِّفَاقِ وُقُوعِ الْقَضِيَّتَيْنِ فِي وَقْتِ السُّؤَالِ عَنِ الْأَهِلَّةِ وَعَنْ دُخُولِ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَكَانَ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا وَعَادُوا لَا يَدْخُلُونَ مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ يَلْتَزِمُونَ شَرْعًا أَلَّا يَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ