للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظيره:" أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى " «١» [العلق: ١٤]. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:" بِأَيْدِيكُمْ" أَيْ بِأَنْفُسِكُمْ، فَعَبَّرَ بِالْبَعْضِ عن الكل، كقوله:" فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" «٢»، [الشورى: ٣٠]،" بِما قَدَّمَتْ يَداكَ" «٣» [الحج: ١٠]. وَقِيلَ: هَذَا ضَرْبُ مَثَلٍ، تَقُولُ: فُلَانٌ أَلْقَى بِيَدِهِ فِي أَمْرِ كَذَا إِذَا اسْتَسْلَمَ، لِأَنَّ الْمُسْتَسْلِمَ فِي الْقِتَالِ يُلْقِي سِلَاحَهُ بِيَدَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِعْلُ كُلِّ عَاجِزٍ فِي أَيِّ فِعْلٍ كَانَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: [وَاللَّهِ إِنَّ إِلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا لِلْمَوْتِ لَعَجْزٌ) «٤» وَقَالَ قَوْمٌ: التَّقْدِيرُ لَا تُلْقُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ، كَمَا تَقُولُ: لَا تُفْسِدُ حالك برأيك. والتهلكة (بِضَمِ اللَّامِ) مَصْدَرٌ مِنْ هَلَكَ يَهْلِكُ هَلَاكًا وَهُلْكًا وَتَهْلُكَةً، أَيْ لَا تَأْخُذُوا فِيمَا يُهْلِكُكُمْ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ. أَيْ إِنْ لَمْ تُنْفِقُوا عَصَيْتُمُ اللَّهَ وَهَلَكْتُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ لَا تُمْسِكُوا أَمْوَالَكُمْ فَيَرِثُهَا مِنْكُمْ غَيْرُكُمْ، فَتَهْلِكُوا بِحِرْمَانِ مَنْفَعَةِ أَمْوَالِكُمْ. وَمَعْنًى آخَرُ: وَلَا تُمْسِكُوا فَيَذْهَبَ عَنْكُمُ الْخُلْفُ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابُ فِي الآخرة. ويقال:" لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" يَعْنِي لَا تُنْفِقُوا مِنْ حَرَامٍ فَيُرَدُّ عَلَيْكُمْ فَتَهْلِكُوا. وَنَحْوَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:" وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" قال:" وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ" [البقرة: ٢٦٧]. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: قَوْلُهُ" وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ لِدُخُولِهِ فِيهِ، إِذِ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ. الثَّانِيَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اقْتِحَامِ الرَّجُلِ فِي الْحَرْبِ وَحَمْلَهُ عَلَى العدو وحده، فقال القاسم بن مُخَيْمَرَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ عُلَمَائِنَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلَ وَحْدَهُ عَلَى الْجَيْشِ الْعَظِيمِ إِذَا كَانَ فِيهِ قُوَّةٌ، وَكَانَ لِلَّهِ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ قُوَّةٌ فَذَلِكَ مِنَ التَّهْلُكَةِ. وَقِيلَ: إِذَا طَلَبَ الشَّهَادَةَ وَخَلَصَتِ النِّيَّةُ فَلْيَحْمِلْ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ" «٥» [البقرة: ٢٠٧]. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: فَأَمَّا أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ عَلَى مِائَةٍ أَوْ عَلَى جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ أَوْ جَمَاعَةِ اللُّصُوصِ وَالْمُحَارِبِينَ وَالْخَوَارِجِ فَلِذَلِكَ حَالَتَانِ: إِنْ عَلِمَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنْ سَيَقْتُلُ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ وَيَنْجُو فَحَسَنٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنْ يَقْتُلَ وَلَكِنْ سَيُنْكَى نِكَايَةً أَوْ سَيَبْلَى أَوْ يُؤْثِرُ أَثَرًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَجَائِزٌ أَيْضًا. وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا لَقِيَ الْفُرْسَ نَفَرَتْ خيل المسلمين من


(١). راجع ج ٢٠ ص ١٢٤. [ ..... ]
(٢). راجع ج ١٦ ص ٣٠.
(٣). في نسخ الأصل:" بما كسبت". راجع ج ١٢ ص ١٦.
(٤). عبارة عبد المطلب كما أوردها ابن هشام في سيرته عند الكلام على حفر زمزم:" والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ونبتغي لأنفسنا لعجز ... " إلخ.
(٥). راجع ج ٣ ص ٢٠.