وَيَنْهَى عَنْ غَيْرِهِ اسْتِحْبَابًا، وَلِذَلِكَ قَالَ: افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ و [أتم «١»] لِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. الْخَامِسَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ وَمَنْزِلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صِيَامَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هُوَ مُتَمَتِّعٌ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ. قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: عُمْرَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مُتْعَةٌ، رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ: لَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ. وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، هَكَذَا ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ" حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ" وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَحَجَّتُهُ ظاهر الكتاب قوله عَزَّ وَجَلَّ:" فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ" وَلَمْ يَسْتَثْنِ: رَاجِعًا إِلَى أَهْلِهِ وَغَيْرَ رَاجِعٍ، وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ مُرَادٌ لَبَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد روي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مِثْلُ قَوْلِ الْحَسَنِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اعْتَمَرَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَهِيَ مُتْعَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ قَوْلَانِ هُمَا أَشَدُّ شُذُوذًا مِمَّا ذَكَرْنَا عَنِ الْحَسَنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتَ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ. هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ غَيْرُهُ، وَلَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ شُهُورَ الْحَجِّ أَحَقُّ بِالْحَجِّ مِنَ الْعُمْرَةِ، لِأَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، وَالْحَجُّ إِنَّمَا مَوْضِعُهُ شُهُورٌ مَعْلُومَةٌ، فَإِذَا جَعَلَ أَحَدٌ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ جَعَلَهَا فِي مَوْضِعٍ كَانَ الْحَجُّ أَوْلَى بِهِ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ رَخَّصَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمَلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِلْمُتَمَتِّعِ وَلِلْقَارِنِ وَلِمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْرِدَهَا، رَحْمَةً مِنْهُ، وَجَعَلَ فِيهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ قَالَهُ فِي الْمَكِّيِّ إِذَا تَمَتَّعَ مِنْ مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَهَذَا لَمْ يُعَرَّجْ عَلَيْهِ، لِظَاهِرِ قوله تعالى:" ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ" وَالتَّمَتُّعُ الْجَائِزُ
عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ مَا أَوْضَحْنَاهُ بِالشَّرَائِطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَبِاللَّهِ توفيقنا.
(١). الزيادة عن الموطأ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute