للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَنْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ. وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ أَلْفُ سَنَةٍ وَمِائَتَا سَنَةٍ. وَعَاشَ آدَمُ تِسْعَمِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ النَّاسُ فِي زَمَانِهِ أَهْلَ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، مُتَمَسِّكِينَ بِالدِّينِ، تُصَافِحُهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَدَامُوا عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ رُفِعَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاخْتَلَفُوا. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ إِدْرِيسَ بَعْدَ نُوحٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْكَلْبِيُّ وَالْوَاقِدِيُّ: الْمُرَادُ نُوحٌ وَمَنْ فِي السَّفِينَةِ، وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاةِ نُوحٍ اخْتَلَفُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْكُفْرِ، يُرِيدُ فِي مُدَّةِ نُوحٍ حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّةً وَاحِدَةً، كُلُّهُمْ كُفَّارٌ، وَوُلِدَ إِبْرَاهِيمُ فِي جَاهِلِيَّةٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ. فَ" كَانَ" عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى بَابِهَا مِنَ الْمُضِيِّ الْمُنْقَضِي. وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَ النَّاسَ فِي الْآيَةِ مُؤْمِنِينَ قَدَّرَ فِي الْكَلَامِ فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ، وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْحَذْفِ:" وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ" أَيْ كَانَ النَّاسُ عَلَى دِينِ الْحَقِّ فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ، مُبَشِّرِينَ مَنْ أَطَاعَ وَمُنْذِرِينَ مَنْ عَصَى. وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَهُمْ كُفَّارًا كَانَتْ بَعْثَةُ النَّبِيِّينَ إِلَيْهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ" كانَ" لِلثُّبُوتِ، وَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنِ النَّاسِ الَّذِينَ هُمُ الْجِنْسُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي خُلُوِّهِمْ عَنِ الشَّرَائِعِ، وَجَهْلِهِمْ بِالْحَقَائِقِ، لَوْلَا مَنُّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَتَفَضُّلُهُ بِالرُّسُلِ إِلَيْهِمْ. فَلَا يَخْتَصُّ" كانَ" عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِالْمُضِيِّ فَقَطْ، بَلْ مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِهِ:" وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «١» ". وَ" أُمَّةً" مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَمَمْتُ كَذَا، أَيْ قَصَدْتُهُ، فَمَعْنَى" أُمَّةً" مَقْصِدُهُمْ وَاحِدٌ، وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ: أُمَّةٌ، أَيْ مَقْصِدُهُ غَيْرُ مَقْصِدِ النَّاسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ:" يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ". وَكَذَلِكَ قال في زيد بن عمر وابن نُفَيْلٍ. وَالْأُمَّةُ الْقَامَةُ، كَأَنَّهَا مَقْصِدُ سَائِرِ الْبَدَنِ. وَالْإِمَّةُ (بِالْكَسْرِ): النِّعْمَةُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ قَصْدَهَا. وَقِيلَ: إِمَامٌ، لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ قَصْدَ مَا يَفْعَلُ، عَنِ النَّحَّاسِ. وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ:" كَانَ الْبَشَرُ أُمَّةً وَاحِدَةً" وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ" كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ". قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ وَجُمْلَتُهُمْ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَالرُّسُلُ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ بِالِاسْمِ الْعَلَمِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وأول الرسل آدم، على


(١). آية ٩٦، ١٠٠، ١٥٢ سورة النساء.