للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَالْمُسْلِمُونَ يَظُنُّونَهَا مِنْ جُمَادَى. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَكَرَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْأَسَدِيَّةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ مُؤَمَّرًا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. الثَّانِيَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَسْخِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى نَسْخِهَا، وَأَنَّ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مُبَاحٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي نَاسِخِهَا، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَسَخَهَا" وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً «١» ". وَقِيلَ: نَسَخَهَا غَزْوُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَقِيفًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَإِغْزَاؤُهُ أَبَا عَامِرٍ «٢» إِلَى أَوْطَاسٍ «٣» فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. وَقِيلَ: نَسَخَهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ عَلَى الْقِتَالِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ عُثْمَانَ بِمَكَّةَ وَأَنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى حَرْبِهِ بَايَعَ حِينَئِذٍ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دَفْعِهِمْ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ بِقِتَالِهِمْ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ في أثر قصة الحضرمي: فأنزل عز وجل" يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ" الْآيَةَ، قَالَ: فَحَدَّثَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا كَانَ، وَأَنَّ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ حِينَ يَسْجُنُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ وَيَحْبِسُونَهُمْ «٤» أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَصَدِّهِمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِخْرَاجِهِمْ أَهْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ سُكَّانُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِتْنَتِهِمْ إِيَّاهُمْ عَنِ الدِّينِ، فَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلَ «٥» ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَحَرَّمَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرِّمُهُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ". وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ، وَلَا يَجُوزُ الْقِتَالُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي وردت بعدها عامة في الأزمنة، وهذا


(١). آية ٣٦ سورة التوبة.
(٢). هو أبو عامر الأشعري، ابن عم أبى موسى الأشعري.
(٣). أوطاس: واد في ديار هوازن، وفية كانت وقعة حنين. راجع طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام في غزوة حنين.
(٤). في بغض النسخ:" يسحبونهم".
(٥). عقل القتيل: أعطى وريته ديته بعد قتله.