للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهُ} قَالَ: مَا قَالَ: مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَلَا يَكُوْنُ، بَلْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ؛ لِيَعُمَّ المَاضِيَ وَالمُسْتَقْبَلَ وَالرَّاهِنَ، قَالَ: وَتَدَبَّرْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى (١): {لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} فَرَأَيْتُ لَهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ قَائِلَهَا يَتَبَرَّأُ مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتَهِ، وَيُسَلِّمُ الأَمْرَ إِلَى مَالِكِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُعْلَمُ أَنْ لَا قُوَّةَ لِلْمَخْلُوْقِيْنَ إِلَّا بِاللهِ، فَلَا يَخَافُ مِنْهُمْ؛ إِذْ قُوَاهُمْ لَا تَكُوْنُ إِلَّا بِاللهِ، وَذلِكَ يُوْجِبُ الخَوْفَ مِنَ اللهِ وَحْدَهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ رَدٌّ عَلَى الفَلَاسِفَةِ وَالطَّبَائِعِيِّيْنَ الَّذِينَ يَدَّعُوْنَ القُوَى فِي الأَشْيَاءِ بِطَبِيْعَتِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ بَيَّنَتْ أَنَّ القَوِيَّ لَا يَكُوْنُ إِلَّا بِاللهِ.

وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (٢) {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} قَالَ: "التَّاءُ" مِنْ حُرُوْفِ الشِّدَّةِ، تَقُوْلُ فِي الشَّيءِ القَرِيْبِ الأَمْرَ: مَا اسْطَعْتُهُ (٣)، وَفِي الشَّدِيْدِ: مَا استَطَعْتُهُ، فَالمَعْنَى: مَا أَطَاقُوا ظُهُوْرَهُ لِضعْفِهِمْ، وَمَا قَدِرُوا عَلَى نَقْبَةِ لِقُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ.

وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (٤): {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} قَالَ: المَعْنَى إِنِّي قَدْ أَظْهَرْتُهَا حِيْنَ أَعْلَمْتُ بِكَوْنِهَا، لكِنْ قَارَبْتُ أَنْ أُخْفِيْهَا بِتَكْذِيْبِ المُشْرِكِ بِهَا، وَغَفْلَةِ المُؤْمِنِ عَنْهَا، فَالمُشْرِكُ لَا يُصَدِّقُ كَوْنَهَا،


(١) سورة الكهف، الآية: ٣٩.
(٢) سورة الكهف، الآية: ٩٧.
(٣) في (ط): "استطعته".
(٤) سورة طه، الآية: ١٥.