للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[معنى الأحرف السبعة]]

٤٧ - فأمّا معنى الأحرف التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم هاهنا فإنه يتوجّه إلى وجهين؛ أحدهما: أن يكون يعني بذكر أن القرآن أنزل على سبعة [أحرف سبعة] «١» أوجه من اللغات، لأن الأحرف جمع حرف في الجمع القليل مثل: فلس وأفلس ورأس وأرؤس «٢»، والحرف قد يراد به الوجه بدليل قوله تعالى: ومن النّاس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه [الحج: ١١] الآية.

فالمراد بالحرف هاهنا الوجه «٣» الذي تقع عليه العبادة.

٤٨ - يقول جلّ ثناؤه: ومن النّاس من يعبد الله [الحج: ١١] على النعمة تصيبه، والخير يناله من تثمير المال، وعافية البدن، وإعطاء السؤال ويطمئن إلى ذلك ما دامت له هذه الأمور، واستقامت له هذه الأحوال، فإن تغيّرت حاله وامتحنه الله تعالى بالشدّة في عيشه، والضّرّ في بدنه، والفقر في ماله ترك عبادة ربّه وكفر به. فهذا عبد الله سبحانه وتعالى على وجه واحد ومذهب واحد، وذلك معنى الحرف.

٤٩ - ولو عبده تبارك وتعالى على الشكر للنعمة، والصبر عند المصيبة، والرضى بالقضاء عند السّرّاء والضّرّاء، والشدة والرخاء، والفقر والغنى، والعافية والبلاء؛ إذ كان سبحانه أهلا أن يتعبّد على كل حال لم يكن عبده تعالى على حرف.

٥٠ - فلهذا سمّى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوجه المختلفة من القراءات والمتغايرة من اللغات أحرفا على معنى أن كل شيء منها وجه على حدته غير الوجه الآخر، كنحو قوله: ومن النّاس من يعبد الله على حرف [الحج: ١١] أي: على وجه إن تغيّر عليه تغيّر عن عبادته وطاعته على ما بيّنّاه.

٥١ - والوجه الثاني من معنى الأحرف: أن يكون صلى الله عليه وسلم سمّى القراءات أحرفا على طريق السعة «٤»، كنحو ما جرت عليه عادة العرب في تسميتهم الشيء باسم ما منه وما قاربه وجاوره، وكان كسبب منه وتعلق به ضربا من التعلّق وتسميتهم الجملة باسم


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) سقطت (وأرؤس) من م.
(٣) تفسير القرطبي ١٢/ ١٧.
(٤) في (ت، م): السبعة. وهو تحريف لا يستقيم به السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>