للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداث شيء في حسيهما، وهذا هو الاستفهام بعضوه «١» الذي يدرك معرفته البصير دون الأعمى؛ لأنه إعمال العضو وتهيئته لا غير، فلا يتحصّل إلا بالرؤية دون السمع، والقائلون بهذا يجعلون ذلك إدغاما خالصا ويأتون بتلك الإشارة بعد الإدغام «٢»، قالوا: ويجوز أن يؤتى بها بعد سكون النون كما يؤتى بها عند الوقف بعد سكون الحرف الموقوف عليه، فيحصل حينئذ. قيل: كما الإدغام والإتيان بها، وإعمال العضو لها في كلا الوجهين متعذّر جدّا لدخول المدغم فيما أدغم فيه دخولا شديدا لا فرجة بينها ولا مهلة، ولاتصال فتحة النون الثانية بالألف من غير فصل بينها أيضا، فتعذّرت الإشارة، كذلك.

قال محمد بن السري النحوي «٣»: الإدغام مع الإشمام محال لا يمكن معه، لأنه لا فصل بين الحرفين إذا أدغما بحال من الأحوال، ومنهم من يقول: هو إشارة إلى النون بالضمة لا إلى الضمة بالعضو، وإذا كان الغرض الإتيان بالإشارة إنما هو الإدغام بأصل هذه الكلمة لا بكيفية حركة آخر الفعل المتصل بضمير الجماعة، وليفرق أيضا بذلك بين ما يسكن للإدغام خاصة وبين ما يسكن على كل حال، فلئن كان ذلك هو الغرض كانت الإشارة بالحركة إلى الحرف أتمّ في البيان وآكد في الدلالة؛ لأن البصير والأعمى جميعا يستويان في معرفة ذلك؛ إذ كانا يدركانه بحاسّة السمع، والقائلون بهذا يجعلون ذلك إخفاء «٤» لا إدغاما محضا؛ لأن الحرفين الحركة على قولهم يضعف الصوت بها، ولا يذهب رأسا لا تأمنّا التي يشبع بها الصوت ويمتطط بها اللفظ. وإذا كانت الحركة بين المدغم والمدغم فيه كما يفصل بينهما بالحركة فيفصل، كذلك امتنعت النون من السكون الخالص.

وإذا امتنعت من ذلك بطل إدغامها وثبت إخفاؤها، وإلى القول بالإخفاء دون


(١) في (م) بعقبه.
(٢) ووافقه صاحب (النشر) ١/ ٣٠٤، على ذلك فقال: وبعضهم يجعلها إشماما، فيشير إلى ضم النون بعد الإدغام، فيصح معه حينئذ الإدغام.
(٣) محمد بن السري أبو بكر النحوي المعروف بابن السراج، كان أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية، صحب المبرد وأخذ عنه العلم، روى عنه الزجاجي والسيرافي والرماني، وكان ثقة، وكان كثيرا ما يتمثل فيما يجري له من الأمور بأبيات حسنة، مات سنة (٣١٦ هـ) (تاريخ بغداد) ٥/ ٣١٩، و (إنباه الرواة) ٣/ ١٤٥.
(٤) أي (الروم).

<<  <  ج: ص:  >  >>