بعد هذا نقول في رواية كتاب النكاح وبعض روايات كتاب الوكالة أن المرأة تطالب المأمور بنصف المهر، وفي بعض روايات كتاب الوكالة نقول: تطالبه بجميع المهر، واختلف المشايخ فيه. والصحيح أنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع موضوع، ما ذكر في كتاب النكاح أن القاضي فرق بينهما بطلبها بذلك حتى لا تبقى معلقة فيسقط نصف المهر عن الأصل بزعمهما لكون الفرقة جائية من قبل الزوج قبل الدخول فيسقط عن الضمين.
وموضوع ما ذكر في بعض روايات كتاب الوكالة أنها لم تطلب التفريق قالت: أصبر حتى يقر بالنكاح أو آخذ بيّنة على الأمر بالنكاح فبقي جميع المهر بزعمها على الأصل، فكذا على الوكيل لأنه كفيل الوكيل.
وكّلت المرأة رجلاً بأن يزوجها فتزوجها الوكيل بنفسه لم يجز، وكذلك لو وكلته أن يزوجها من رجل، وأما في الفصل الأول فلأنها وكلته بالتزويج مطلقاً، وتزويجها من نفسه إن كان تزويجاً باعتبار جانبها فهو تزوج باعتبار جانبه، فكان يروى من وجه دون وجه فكان ناقصاً والناقص لا يدخل تحت مطلق الاسم، وأما في الفصل الثاني فلهذا المعنى أيضاً ولمعنى آخر أنها امرته بالتزويج من رجل منكر، والوكيل صالر معرفاً بالخطاب، والمعرف لا يدخل تحت اسم النكرة، فلو وكلته أن يزوجها من نفسه فزوجها من نفسه يجوز وإنه يخرج عن المعنيين جميعاً.
وكّلته أن يزوجها فزوجها أباه أو ابنه لم يجز عند أبي حنيفة رحمه الله، وجاز عندهما إلا أن يكون الابن صغيراً فلا يجوز بلا خلاف، ولو زوجها أعمى، أو مقعداً، أو زمناً، أو عنيناً، أو خصياً جاز، قيل: هو قول أبي حنيفة رحمه الله،
لو وكلت رجلاً أن يزوجها فزوجها من كفء بمهر مثلها فالكلام فيه كالكلام فيما إذا زوجت نفسها، وأنه على الخلاف على ما يأتي بيانه في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى، فكذا هذا.
وإن زوجها من غير كفء لها لم يجز عليها، هكذا ذكر في وكالة الأصل، من مشايخنا من قال: هذا الجواب قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أولاً، أو قياس رواية الحسن عند أبي حنيفة رحمه الله: أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها من غير كفءٍ، أما على ظاهر رواية أبي حنيفة رحمه الله أن المرأة تملك أن تزوج نفسها من غير كفءٍ وينبغي أن يجوز. ومنهم من قال: هذا قول الكل، فهذا القائل يحتاج إلى الفرق على قول أبي حنيفة رحمه الله في ظاهر الرواية بين التوكيل من جانب الرجل وبين التوكيل (١٩٤أ١) من جانب المرأة، حيث لم يقيد التوكيل من جانب الرجل بالكفاءة وقيد التوكيل من جانب المرأة بالكفاءة. ولو وكّله بالتزويج ثم إن المرأة تزوجت بنفسها خرج الوكيل من الوكالة علم الوكيل بذلك أو لم يعلم، ولو أخرجها عن الوكالة أو لم يعلم بذلك لا يخرج عن الوكالة، وإذا زوجها جاز النكاح ولو كان وكيلاً من جانب الرجل.