مقامه في حق بعض الأحكام دون البعض، ألا ترى أنه (إن) طلقها بغير الخلوة لا يملك مراجعتها في هذه العدة، وإن كان أهل الصغيرة دفعوها إلى الزوج أو كان أبوها قد دفعها إلى زوجها ثم رجعت إلى منزل أبيها فطلبها الزوج وقال: قد دخلت بها وقال أهلها: نعم قد دخلت بها إلا أنك قد عقرتها لما أنها لا تحتمل الرجال، وقال الزوج: إنها تحتمل الرجال إلا أنها نشزت عليّ فالقاضي يريها النساء، فإن قلن: إنها تصلح للرجال دفعت إلى الزوج.
وإذا كان أبوها دفعها إليه وهي ممن لا تطيق الرجال ولا تحتمل الوطء فصارت في منزل زوجها، ثم إنها رجعت إلى منزل أبيها، وقال أبوها: لا أدفعها إلى أن تصير إلى الحالة التي تحتمل الرجال، وقال الزوج: قد كنتَ دفعتَها إليّ فصارت في منزلي فليس لك منعها عني بعد ذلك فللأب ذلك، هكذا ذكر الخصاف رحمه الله، وأشار إلى المعنى وقال: لأن الزوج لا ينتفع بها في هذه الحالة.
سئل شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله عمن تزوج صبية ومضى على ذلك مدة هل لأب الصبية أن يطالب الزوج بدفع المهر والزفاف؟ قال: أما دفع المهر فنعم، وأما الزفاف فكذلك إن كانت تصلح للرجال، وإن كانت لا تصلح فلا. وإذا زوج ابنته الصغيرة وضمن لها المهر عن الزوج صح، بخلاف ما لو باع شيئاً من مالها وكفل الثمن عن المشتري حيث لا يصح، والفرق: أن المطالبة بالثمن مملوكة للأب؛ لأن حقوق العقد في باب البيع والشراء ترجع إلى العاقد عقدها، ولهذا لو بلغت الصغيرة كان حق القبض للأب؛ لأنها لو نهت الأب عن القبض لا يصح نهيها ولو صحت الكفالة لاستوجب الأب المطالبة على نفسه بنفسه وهذا لا يجوز.
أما المطالبة بالمهر غير مملوك الأب؛ لأن حقوق العقد في باب النكاح ترجع إلى من وقع له العقد لا إلى العاقد، ولهذا لو بلغت كانت المطالبة بالمهر لها (لأب ونهت) عن القبض يصح نهيها، وإذا لم تكن المطالبة مملوكة الأب صار الأب في هذه وأجنبي آخر سواء، وإذا صح الضمان عندما بلغت البنت كان لها الخيار إن شاءت طالبت الزوج بالمهر بحكم النكاح، وإن شاءت طالبت الأب بحكم الضمان، وإذا أدّى الأب لا يرجع على الزوج بشيء إن ضمن بغير أمر الزوج، وإن ضمن بأمره رجع عليه بما أدى.
في شرح «الكافي» وفي «أدب القاضي» للخصاف في باب في نكاح الصغيرة: وإن كان هذا الضمان من الأب في مرض موته كان باطلاً، وإذا زوج ابنه الصغير امرأة وضمن عنه المهر، وكان ذلك في صحته جاز، ومعناه: إذا قبلت المرأة الضمان، وإذا أدى الأب ذلك إن كان الأداء في حالة الصحة لا يرجع على الابن بما أدى استحساناً إلا إذا كان شرط الرجوع في أصل الضمان، وفي «المنتقى» عن محمد رحمه الله: إذا أشهد عند الأداء أنه يرجع به في مال أبيه فله أن يرجع، وإن لم يشهد على الرجوع حين ضمن. وذكر إبراهيم هذه المسألة في «نوادره» ووضَعَها فيما إذا كبر الابن وأدى الأب وأشهد عند الأداء، وذكر الجواب على نحو ما ذكرنا.