وفيما إذا قال له: جعلت أمرها بيدك وطلقها لم يجعل قوله: وطلقها تفويضاً مبتدأً حتى قال: إذا طلقها في المجلس تطلق واحدة بائنة.
والفرق: أن حرف الفاء وجد للتعقيب والفصل، فإذا قال فطلقها جعل الثاني حكماً للأول وتفسيراً له، إذ حكم الشيء يعقب ذلك الشيء، وقوله فطلقها يصلح حكماً وتفسيراً لقوله: أمر امرأتي وقوله: أمر امرأتي بيدك يصلح علة للطلاق، ولهذا لو نص عليه يصح، وكما لو كان هكذا صار كأنها: طلق امرأتي لأني فوضت طلاقها إليك، ولو نص على هذا، لم يكن ذلك تفويضاً مبتدأً فههنا كذلك.
وهذا المعنى لا يتأتى فيما إذا ذكره بحرف الواو فبقي على حقيقته، وحقيقته تقتضي أن يكون تفويضاً مبتدأً. ولو قال له: طلق امرأتي فأبنها، فهذا على المجلس وغيره، لأن هذا (الوكيل) وليس بتمليك؛ إذ ليس فيه تفويض الأمر إليه، ولا جعل ذلك منوطاً بمشيئته ورأيه نصاً أو معنى، بل هو مطلق استثنائه وما هذا سبيله فهو توكيل، والوكيل بالإيقاع يملك الإيقاع في المجلس وبعده، فإن طلقها في المجلس أو بعده، كانت تطليقة بائنة، لأن الفاء للوصل والتعقيب وإنما تتصل الصيغة بالأصل، فكان معناه وأبنها بتلك التطليقة، فيكون توكيلاً بإيقاع طلقة بائنة، وكذلك الجواب فيما إذا قال: أنبها فطلقها، ولو قال: طلقها وأنبها، أو قال: أبنها وطلقها، فطلقها في المجلس أو بعد القيام عن المجلس، طلقت تطليقتين بائنتين، لأن العطف بحرف الواو لا يصلح لبيان الحكم والعلة على ما مر، فصارا جميعاً أمرين: أحدهما صريح ولا تمليك في واحد منهما، بل كل واحد منهما توكيل، فلم يقتصر على المجلس، فإذا طلقها صار جواباً لهما فيقع تطليقتان، ولا تظهر حق الرجعية مع وجود الإبانة، فلهذا قال: طلقت تطليقتين لا يملك الرجعة بعدهما.
فإذا قال لها: أمرك بيدك يوماً أو شهراً أو سنة، فلها الأمر من تلك الساعة إلى استكمال المدة التي ذكر، ولا تسقط بالقيام عن المجلس، ولا بشيء آخر، وهذا لما ذكرنا أن في هذا التفويض معنى التعليق، والتوقيت يلائم التعليق، فصح التوقيت من حيث إنه يتضمن التعليق، وإذا صح التوقيت صار الطلاق بيدها في هذه المدة، ولو بطل الأمر بعد ذلك بقيامها عن المجلس، أو بشيء آخر لم يكن للتأقيت حينئذ فائدة، ويكون الشهر ههنا بالأيام؛ لأن التفويض حصل في بعض الشهر، فلا يمكن اعتبار الأهلية فيه، فيعتبر الأيام بالإجماع ولو عرف وقال: هذا اليوم، أو قال: هذا الشهر، أو قال: هذه السنة، كان لها الخيار في اليوم والشهر والسنة ويكون الشهر ههنا على الهلال.
فروي عن أبي يوسف رحمه الله: إذا قال لها: أمرك بيدك هذا اليوم، فهذا على اليوم كله، ولو قال: في هذا اليوم كان على مجلسها، لأن في الفصل الأول جعل كل اليوم وقتاً للأمرباليد فعم الوقت، وفي الفصل الثاني جعل الأمر بيدها في جزء من اليوم، لأنه جعل اليوم ظرفاً وذلك لا يقتضي التعميم، فإن المظروف قد يستعمل جزءاً من الظرف.