بيانه فيما ذكر في «الجامع» إذا قال: إن دخلت الدّار إن كلّمت فلاناً فعبدي حرّ، ودخل الدّار أوّلاً ثمَّ كلّم فلاناً لا يعتق عبده، ولو كلّم فلاناً أوّلاً ثمَّ دخل الدّار عتق عبده؛ لأن الشرط الأوّل وهو الدخول صار مؤخّراً عن الجزاء، وصار تقدير المسألة: إن كلّمت فلاناً فعبدي حرّ إن دخلت الدّار، وهناك لا يعتق العبد ما لم يوجد الكلام قبل الدخول كذا ها هنا، وروي عن محمّد رحمه الله في غير رواية الأصول أنّه رجع عن التقديم والتأخير في الشرط المعترض على الشرط، بل قدّر كلّ شرط في موضعه وأضمر حرف العطف، حتّى صار تقدير المسألة فيما إذا قدّم الجزاء: عبدي حرّ إن دخلت الدّار وإن كلّمت فلاناً، وصار تقدير المسألة فيما إذا أجرى الجزاء: إن دخلت الدّار وإن كلّمت فلاناً فعبدي حرّ، وصار تقدير المسألة في قوله: كلُّ امرأة أتزوّجها إن دخلت الدّار فهي طالق، كلُّ امرأة أتزوّجها فإن دخلت الدّار فهي طالق، فتطلق المتزوّجة قبل الدخول، ولا تطلق المتزوّجة بعد الدخول.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله: أن الحالف إذا ذكر شرطين مرتبين فعلاً من حيث العرف نحو قوله: إن دعوتني إن أجبتك فعبدي حرّ، إن أكلت إن شربت فعبدي حرّ، فإنّه يعتبر هذا الترتيب الظاهر، وقدر كلّ شرط في موضعه حتّى إذا شرب أوّلاً ثمَّ أكل لا يعتق عبده، ولو أكل أولاً ثمَّ شرب عتق عبده؛ لأنّ الأكل يتقدّم على الشرب فعلاً من حيث العرف.
وأما إذا ذكر شرطين غير مرتبين فعلاً من حيث العرف نحو قوله: إن أكلت إن كلّمت فلاناً، ونحو قوله: إن شربت إن أكلت، يجعل المقدّم مؤخراً أو المؤخّر مقدّماً، كما هو ظاهر مذهب محمّد رحمه الله. ولو قال لها: إن دخلت هذه الدّار فأنتِ طالق وهذه الدار، فإنّها لا تطلق ما لم تدخل الدُّارين؛ لأنّ قوله: وهذه لا يصلح عطفاً على الجزاء، فيجعل عطفاً على الشرط، وتخلّلُ الجزاء بينهما لا يمنع صحّة العطف، هكذا ذكر «القدوري» : رحمه الله في كتابه.
قال في «الجامع» : وإذا قال الرجل: كلُّ امرأة أملكها فهي طالق إن دخلت الدّار، أو قال: إن دخلت الدّار فكل امرأة أملكها فهي طالق، وفي ملكه يوم اليمين امرأة ثمَّ تزوّج امرأة قبل الدخول وامرأة بعد الدخول طلقت التي كانت في ملكه يوم اليمين، ولا تطلق التي استعادها بعد اليمين، وهذا الاستحسان، والقياس: أن تطلق التي يملكها في المستقبل، ولا تطلق التي كانت في ملكه يوم اليمين.
وجه القياس: وهو أنَّ كلمة أفعل للاستقبال، كقوله أسافر وأتزوّج، فكأنّه صرّح الاستقبال.
وجه الاستسحان أنَّ صفة أفعل للاستقبال حقيقة، وللحال حقيقة؛ لأنها مستعملة فيهما في الاستقبال كقول الرّجل: أسافر وأتزوّج وفي الحال كقول الرّجل بين يدي القاضي: أشهد.
بعد هذا اختلف عبارة المشايخ، بعضهم قالوا: إنّها للحال أحقّ إذ ليس للحال صفة