وأما خرء ما لا يؤكل لحمه نحو سباع الطير، كالصقر والبازي وغيرها من الحدأة وأشباهها، فهو طاهر في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله.
وقال محمد رحمه الله: هو نجس، فوجه قول محمد رحمه الله، وهو الفرق له بين خرء هذه الطيور، وبين خرء العصفور والحمامة، أن هذه الطيور لا تخالط الناس فيمكن التحرز عن خرئها بخلاف الحمامة والعصفور؛ لأنهما تخالطان، فلا يمكن التحرز عن خرئهما.
ولهما أن هذه الحيوانات تذرق من الهواء، وفي التمييز بينما يخالطونا وبينما لا يخالط الناس، فيحتاج إلى التأمل في كل جانب، وفيه حرج على أن ما قال من المعنى لا يتأتى في الصقر والبازي والشاهين، فإن الناس يخالطوهما أكثر مما لا يخالطون الحمام والعصفور.
والأبوال كلها نجسة عند أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله.
وقال محمد رحمه الله: بول ما يؤكل لحمه طاهر حجته في ذلك حديث العرنيين، فإنه روى «أن قوماً من عرينة جاؤوا إلى رسول الله عليه السلام بالمدينة فاجتووها فانتفخت بطونهم واصفرت ألوانهم، فأمرهم رسول الله عليه السلام أن يخرجوا إلى إبل الصدقات، فيشربوا من أبوالها وألبانها» ، فقد أمرهم بشرب الأبوال، فلو كانت نجسة لما أمرهم بذلك مع قوله عليه السلام:«إن الله تعالى لم يجعل في نجس شفاء» وإذا ثبت أنه طاهر، فإذا أصاب الثوب لا يمنع جواز الصلوة فيه وإن فحش، وإذا وقع في الماء القليل لا يمنع التوضؤ به إلا أن يغلب على الماء، فحينئذٍ لا يجوز التوضؤ به لا لأنه نجس، ولكن لأنه صار شيئاً آخر، ألا ترى أنه لو وقع اللبن في الماء القليل واللبن غالب لا يجوز التوضؤ به، وإنما لا يجوز لأنه صار شيئاً آخر لا لنجاسة اللبن، كذا ههنا.
لهما ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله عليه السلام أنه قال:«استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه» ، ولأن بول الآدمي نجس مع أنه أطهر الحيوانات فبول هذه الحيوانات أولى، وأما حديث العرنيين، فالتمسك به لا يصح؛ لأنه روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رسول الله عليه السلام أمرهم بشرب ألبانها» ، ولم يذكر الأبوال، ولو ثبت فهو محمول على أن رسول الله عليه السلام عرف من طريق الوحي أن شفاءهم فيه، ويحل تناول النجس إذا علم حصول الشفاء، ألا ترى أن من اضطر إلى ميتة إن أصابه جوع مفرط يخاف منه الهلاك ولم يجد إلا ميتة يباح له التناول؛ لعلمه أنه يزول به الجوع والجوع داء، وكذلك إذا اضطر إلى خمر بأن أصابه عجز مفرط ولا يجد إلا