خمراً جاز له الشرب منها بقدر ما يزول به العطش، لعلمه أنه يزول به العطش والعطش داء.
ويحتمل أنه كان مباحاً في الابتداء، ثم انتسخ إباحته بقوله عليه السلام: «استنزهوا (من) البول» .
ثم إن أبا حنيفة وأبا يوسف رحمهما الله اختلفا فيما بينهما، قال أبو حنيفة لا يجوز شربه للتداوي ولغيره، وقال أبو يوسف يجوز شربه للتداوي، ولا يجوز شربه لغيره. فأبو يوسف قال القياس ما قاله أبو حنيفة، ولكن تركنا القياس بالأثر والأثر أباح شربه للتداوي، فبقي الشرب لغير التداوي على أصل القياس.
وبول الهرة نجس لو أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم منع جواز الصلاة هو الظاهر من المذهب، وحكي عن محمد بن محمد بن سلام رحمه الله أنه كان يقول: لو ابتليت به لغسلت ولكن آمر غيري بإعادة الصلاة.
وأما بول الفأرة إذا وقع في الماء أفسد الماء، حتى لا يجوز التوضؤ به بخلاف سؤره، والقياس أن يكون سؤره نجساً لأن لعابه نجس لنجاسة لحمه، لكن أسقطنا النجاسة في اللعاب لمكان الضرورة، فإنها تقصد الماء وتشرب، وصون الأواني عنها غير ممكن، أما الضرورة في البول (فتنتفي) لأنها لا تقصد الماء لتبول فيه، فيحكم بنجاسته.
وأما بول الفأرة إذا أصاب الثوب، فقد قال بعض مشايخنا إنه ينجس الثوب وقاسه على الماء، وقال بعضهم: لا ينجسه وفرق بين الثوب والماء، والفرق أن صيانة الثوب في الغالب يكون بالثياب؛ بأن يلف البعض في البعض ومتى صين على هذا الوجه، وبال على الثوب الأعلى يصل إلى باقيه ويتنجس، فصيانة الثياب عن بول الفأرة غير ممكن، فصار البول معفواً عنه في الثياب.
أما الماء يصان في الأواني، والأواني مما يُخمر وبعد التخمير تقع الصيانة للماء لا محالة، فلم يكن البول معفواً عنه في الماء، وعن محمد رحمه الله أنه قال: ولا أرى ببول الفأرة بأساً، وذهب في ذلك إلى أن البلوى في بولها ظاهر، وإن وجد رائحته في الثوب، ولا يستيقن فالتنزه أولى، وإن صلى فيه لم أقل بأنه لا يجزئه، وبعض مشايخنا قالوا: لا ينجسه، إلا أن هذا القائل يجعل أثر البلوى في التخفيف لا في صلب أصل النجاسة.
وقال الحسن بن زياد رحمه الله لو أن بعرة من بعر الفأرة وقعت في وقر حنطة، وطحنت لم يجز أكلها، ولو وقعت في دهن فسد الدهن.
وقال محمد بن مقاتل رحمه الله لا تفسد الحنطة والدهن ما لم يتغير طعمه، قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وبه نأخذ.
وفي مسائل أبي حفص رحمه الله في بعر الفأرة: إذا وقع في الزيت أو الخل إنه لا يفسده.
وعن الشيخ الإمام أبي محمد عبد الله بن الفضل الخيزاخزي رحمه الله أنه قال: وقعت في هذه المسألة، فسألت أبا إسحاق الضرير، فقال: لو كان لي لشربت وأنا لم