ولو قال له: إن كتبت إلي أن فلان قد قدم فكذا، فكتب إليه كاذباً يحنث، لأن شرط الحنث ههنا كتابة ملصقة بالقدوم، وذلك لا يكون إلا بعد القدوم، ولو كتب إليه في هذه الصورة أن فلاناً قد قدم وقد كان فلان قدم قبل الكتابة، إلا أن الكتابة لم تعلم بذلك حنث الحالف في يمينه، لأن شرط الحنث في هذه الصورة كتابة ملصقة بالقدوم، لا علم «الكتاب» بالقدوم، وقد وجد ههنا كتابة ملصقة بالقدوم، فتحقق شرط الحنث.
قال في «الزيادات» : إذا حلف الرجل لا يظهر سِرّ فلان لفلان أبداً، فأخبر به بكتاب كتبه إليه أو بكلام أو سأله فلان أكان سرّ فلان كذا، فأشار برأسه أي نعم حنث في يمينه. لأن الإظهار عبارة عن فعل يحصل به الظهور، وقد حصل الظهور بهذه الأشياء، وكذلك لو حلف لا يفشي سر فلان إلى فلان وحلف لا يعلم فلاناً بسرّ فلان أو بمكان فلان ففعل شيئاً مما ذكرنا حنث في يمينه، لوجود شرط الحنث وهو الإفشاء، فإن الإفشاء والإعلام يحصل بهذه الأشياء.
وكذلك لو حلف ليكتمن سره أو أخفينه أو أستر به ففعل شيئاً من ذلك حنث في يمينه، لأن شرط البر الإخفاء والكتمان والستر. فكان شرط الحنث ضد ذلك، وهو الإظهار، وقد تحقق الإظهار بما فعل بتحقق شرط الحنث.
وكذلك إذا حلف لا يدُلّ على فلان ففعل شيئاً من ذلك حنث في يمينه؛ لأن الدلالة بمعنى الإظهار والإعلام. وإن عنى في هذه الوجوه كلها الإخبار بالكلام والكتابة والرسالة دون الإشارة، ذكر في «الكتاب» أنه يدين، ولم يزد على هذا ولا شك أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى. لأن الإظهار والإفشاء والإعلام وإن كان يحصل بالإشارة فهي بالكلام والكتابة. فإذا نوى ذلك فقد نوى ما هو أحد الوجوه من محتملات لفظه، والله تعالى مطلع على ما في ضميره.
وهل يصدق في القضاء؟ ذكر عن الحاكم أبي نصر محمد بن مهرونة أنه يصدق، وعامة المشايخ رحمهم الله على أنه لا يصدق.
ثم إذا حلف بهذه الأشياء وطلب الحيلة والمخرج عن ذلك، فالحيلة أن يقال: إنا نذكر أماكن وأشياء من التهمة مما ليس بمكان فلا تستره فقل: لا، فإذا تكلمنا بسره أو مكانه فاسكت، فإذا فعل ذلك واستدلوا على سره ومكانه لا يحنث في يمينه، لأن هذا ليس بإظهار ولا إفشاء ولا إعلام ولا دلالة لأن هذه لا بد لها من قول، ولم يوجد منه إلا السكوت وإنه ليس بقول ولا فعل بل هو ترك الفعل، إلا أنهم استدلوا بسكوته على مرادهم واستدلالهم بفعل منهم ولا يصلح سبباً للحنث.
وإذا حلف لا (يستحلف) فلانة فأومأ لها بخدمة فقد استخدم، والاستخدام بالإشارة متعارف خصوصاً في الملوك والأكابر، ويستوي إن خدمته فلانة أو لم تخدمه، لأن اليمين