والشعبي وجماعة من التابعين رحمهم الله. وكان محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله يقول: ما ذكر في «النوادر» محمول على ما إذا رأت دماً سائلاً و (ذلك) حيض، وما وقع في بعض الكتب محمول على ما إذا رأت بلة مدة يسيرة وذلك ليس بحيض، وعامة المشايخ أن على رواية «النوادر» لا تقدير في حد الآيسة بالستين. وتفسير الآيسة على هذه الرواية أن تبلغ من السن ما لا يحيض مثلها، فإذا بلغت هذا المبلغ وانقطع دمها يحكم بإياسها. فإن رأت بعد ذلك دماً فلا يكون حيضاً على هذه الرواية ويظهر كونها حيضاً في حق بطلان الاعتداد بالأشهر، وفي حق فساد الأنكحة.
وعلى رواية بعض الكتب لحد الآيسة تقدير واختلفت الأقاويل في التقدير: قال بعضهم: إذا بلغت المرأة مبلغاً لا تحيض نساء تلك البلدة في ذلك المبلغ. ولم يرد ما يحكم بإياسها. وقال بعضهم: يعتبر إبراؤها من قرائنها وقال: يعتبر ستركيبها وهذا لأن طبائع النساء يختلف باختلاف الهواء والبلدان والأغذية، ألا ترى أن المرأة المنعمة يبطىء إياسها والفقيرة البائسة يسرع إياسها فلا يمكن التقدير فيهن بالزمان فقدرنا ببراءتها وتركيبها وكثير من المشايخ منهم أبو علي الدقاق اعتبروا ستين سنة، وهو مروي عن محمد رحمه الله أيضاً: واعتبر بعضهم خمسين سنة وهو مذهب عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها أنها قالت: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم يُرَ في بطنها قرة عين.
ومشايخ مرو أفتوا بخمس وخمسين سنة، وكثير من مشايخ بخارى كذلك أفتوا بخمس وخمسين سنة وهو أعدل الأقوال، فإن رأت بعد ذلك دماً هل يكون حيضاً؟ على هذه الرواية اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يكون حيضاً ولا يبطل به الاعتداد بالأشهر لأن الحكم بالإياس بعد خمسين سنة وأشباه ذلك كان بالاجتهاد. والدم حيض بالنص وإذا رأت الدم فقد وجد النص بخلاف الاجتهاد فيبطل حكم الإياس الثابت بالاجتهاد، وهذا القائل يقول: الدم المرئي بعد هذه المدة إنما يكون حيضاً إذا كان أحمر أو أسود، فإذا كان أخضر أو أصفر لا يكون لأن كون هذا المرئي حيضاً ثبت بالاجتهاد فلا يبطل حكم الإياس الثابت بالاجتهاد فعلى قول هذا القائل يبطل الاعتداد بالأشهر. ويظهر فساد الأنكحة وقال بعضهم: إن كان القاضي قضى بجواز ذلك النكاح ثم رأت الدم (٣٢أ١) لا يقضى بفساد ذلك النكاح.
وطرق القضاء أن يدعي أحد الزوجين فساد النكاح بسبب قيام العدة فيقضي القاضي بجوازه وبانقضاء العدة بالأشهر، وكان الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله يفتي بأنها لو رأت الدم بعد ذلك على أي صفة رأت يكون حيضاً ويفتي ببطلان الاعتداد بالأشهر إن كانت رأت الدم قبل تمام الاعتداد بالأشهر ولا يفتي ببطلان الاعتدال بالأشهر ولا بفساد النكاح إن كانت رأت الدم بعد تمام الاعتداد بالأشهر قضى القاضي بجواز ذلك النكاح أو لم يقض.