للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بد من التوفيق، واختلفت عبارة المشايخ في وجه التوفيق، فعبارة الفقيه أبي جعفر الهندواني أن ما روي أنه لم يقبلها محمول على أنه لم يقبلها من شخص غلب على ظن رسول الله عليه السلام أنه وقع (٩٣ب٢) عند ذلك الشخص أن رسول الله عليه السلام إنما يقاتلهم طمعاً في المال؛ لا لإعلاء كلمة الله، ولا يجوز قبول الهدية من مثل هذا الشخص في زماننا، وما روي أنه قبلها محمول على أنه قبل من شخص غلب على ظن رسول الله أنه وقع عند ذلك الشخص أن رسول الله عليه السلام إنما يقاتلهم لإعزاز الدين، وإعلاء كلمة الله لا لطلب المال، وقبول الهدية من مثل هذا الشخص جائز في زماننا أيضاً؛ لأن قبول الهدية حينئذٍ لا يكون لترك القتال بل للتألف وإنه جائز.

ومن المشايخ من وفق من وجه آخر، فقال: لم يقبل من شخص علم أنه لو قبل منه تقل صلابته وعزمه في حقه، وبين له بسبب قبول الهدية على ما قال عليه السلام: «الهدية تذهب وحر الصدر» ومتى كانت الحالة هذه لا يجوز قبول الهدية؛ لأن سبيل المسلم أن يكون غليظاً شديداً على الكفرة، وقبل من شخص علم أنه لا تقل صلابته، وعزمه في حقه، ولا يلين له بسبب قبول الهدية.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : ويأمر الإمام أهل الذمة بإظهار الاستنحاب والركوب على السرج الذي هو كهيئة الأكف؛ هذا هو لفظ «الجامع الصغير» ، ولفظ كتاب العشر والخراج من «الأصل» : وينبغي أن لا يترك أحداً من أهل الذمة يتشبه بالمسلمين في ملبوسه ولا في ركوبه، ولا في زيه وهيئته، والأصل فيه ما روي عن عمر رضي الله عنه: أنه كتب إلى أمراء الأمصار أن لا يتركوا أهل الذمة يتشبهون بالمسلمن في لباسهم، ومركبهم، وهيآتهم، فهذا روي عن عمر رضي الله عنه ولم يرو عن غيره خلافه، فحل محل الإجماع.

قال: ويمنعون عن ركوب الفرس؛ لأن ركوب الفرس من باب العز والشرف، وما كان من باب العز فأهل الذمة يمنعون عنه؛ لأنهم من أهل الصغار، فيمنعون عنه إلا إذا وقعت الحاجة إلى ذلك؛ بأن استعان الإمام بهم في المحاربة، والذب عن المسلمين، ولا يمنعون عن ركوب البغل؛ لأنه نتيجة الحمار، ولا يمنعون من ركوب الحمار؛ لأن كل أحد لا يقدر على المشي، لكنهم يمنعون من أن يضعوا على الراكب سرجاً كسرج المسلمين، وينبغي أن يكون على قربوس سرجهم مثل الرمانة؛ وهذا لأنهم كما أمروا بالمخالفة في هيئة اللباس، فكذلك أمروا بالمخالفة في هيئة المركب من حديث عمر رضي الله عنه.

واختلفوا في قوله وعلى قربوس السرج مثل الرمانة؛ قال الفقيه أبو جعفر: لم يرد بقوله: وعلى قربوس السرج مثل الرمانة أن يكون مقدم سروجهم مثل مقدم سروجنا، ثم تكون عليه رمانة، وإنما أراد به أن يكون مقدم سرجهم مثل مقدم الإكاف، وهو كالرمانة

<<  <  ج: ص:  >  >>