للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفضة الخالصة أقل وزناً من الفضة التي في الدراهم لا يجوز من الطريق الأولى.

وكذلك إذا كان لا يدرى أي الفضتين أكثر الخالصة منهما أو المخلوطة أو هما سواء لا يجوز؛ لأن هذا البيع يجوز بجهة واحدة وهي أن يكون الفضة الخالصة أكثر، ولا يجوز من وجهين وهو أن تكون الفضة المخلوطة أكثر أو كانا سواء، فكان ما يوجب الفساد غلب فيرجح جانب الفساد.

الوجه الثاني: أن تكون الفضة في الدراهم المغشوشة غالبة بأن كان ثلثاها (فضة) وثلثها صفراء فبيعت الفضة الخالصة لم يجز إلا سواء بسواء؛ لأن الصفر إذا كان أقل كان مغلوباً مستهلكاً فلم يعتبر وصار تحت الفضة فاعتبر بيع الزيوف بالجياد، وقد جاءت السنة في هذا أن جيدها ورديئها سواء، فلم يعتبر الصفر حال كونه مغلوباً بل أهدره.

وفرق بين الصفرة والفضة حيث اعتبر الفضة وإن كانت مغلوبة، ولم يجعلها هدراً.

والفرق بينهما: هو أن الفضة وإن كان أقل فهي قائمة للحال حقيقة، فإنها ترى وتشاهد، فإن اللون لون الفضة ومتى أذيبت تخلص الفضة وتخرج بيضاً خالصة ولا تحترق وإنما يحترق الصفر، وما أمكن تحصيله لا يكون مستهلكاً، فكانت الفضة قائمة باعتبار الحال والمآل، هذا من جهة الحقيقة، وأما من جهة العرف فلأن الفضة لا يجعل في الصفر ليصير خلطاً للصفر بل لترويج الصفر بالفضة ولهذا سموه دراهم، ولهذا جعلوا الفضة ظاهراً والصفر باطناً، فكانت الفضة معتبرة وإن كان أقل من الصفر، فأما الصفر إذا كان أقل، فإنه مستهلك باعتبار الحال؛ لأنه لا يشاهد في الدراهم وكذا باعتبار المآل فإن الصفر يحترق عند التمييز؛ لأنه أضعف جوهراً من الفضة فكان أشد احتراقاً على ما يقوله أهل هذه الصنعة وهم السباكون، فلم يكن به عبرة هذا من جهة الحقيقة، وكذا من جهة العرف، فإن الصفر إنما يحصل في الفضة ليكون خلطاً للفضة ورداءة لها عن الجودة إلى الرداءة، فصار بمنزلة جيد الفضة فسقط اعتباره وصار هذا البيع بمنزلة بيع فضة جيدة بفضة رديئة فيعتبر فيه المساواة على ما مر.

وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا كانا على السواء بأن كانت الدراهم المخلوطة نصفها فضة ونصفها صفر، فبيعت بالفضة الخالصة.

قال في «الكتاب» : هذا على وجهين: إما إن كانت الفضة التي في الدراهم غالبة على الصفر أو لم تكن فإن كانت الفضة هي الغالبة، فهذا والوجه الثاني من الباب سواء لا يجوز بيعها بالفضة الخالصة إلا وزناً بوزن، وإن لم تكن الفضة هي الغالبة بل كانا على السواء فهو بمنزلة الأول من الباب فيكون على التفصيل الذي مر.

فإن قيل: كيف يستقيم هذا التفصيل؟ إن الفضة التي في الدراهم إما أن تكون أغلب من الصفر التي فيها أو على السواء، وقد وضع المسألة فيما إذا تساويا.

قلنا: معنى هذا الكلام ما حكي عن العلماء من الصيارفة أن الصفر والفضة إذا دخلا في النار، فالصفر أشدهما احتراقاً وأسرعهما ذهاباً فيجوز أن يكون النصف من هذا والنصف من ذاك حال حملهما إلى النار للذوب وبعدما حملا إلى النار وأذيبا واختلطا

<<  <  ج: ص:  >  >>