للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحترق شيء من الصفر قبل أن يذوب شيء من الفضة، فتصير الفضة في النار غالبة على الصفر، فإنما أراد بقوله النصف من هذا والنصف من ذاك حال حملهما إلى النار.

وما فصل من الجواب فقال: إذا كانت الفضة غالبة أو كانا على السواء أراد بذلك بعدما أذيبا فربما ينتقص الصفر فيصير الفضة غالبة وربما لا ينتقص فيبقيان على السواء، فإن كانت الفضة هي الغالبة كان نظير الوجه الثاني من الباب، وإن كانا نظير الوجه الأول من الباب فيكون على التفاصيل الذي مر.

ولم يذكر محمد رحمه الله في هذه المسألة ما إذا كان الصفر غالباً على الفضة، وإنما لم يذكر؛ لأنه وضع هذه المسألة فيما إذا كانت الفضة والصفر سواء حال حملهما إلى النار، ويعتبر الغلبة بعد الذوب والاختلاط وعليه الصفر بعد الذوب إذا كانا سواء مثل ذلك لا يكون بحال؛ لأن الصفر أكثر احتراقاً من الفضة على ما مر.

فإنما لم يذكر هذا الوجه في هذه المسألة، لهذا قال في «الجامع» أيضاً: وإذا كانت الدراهم ثلثاها صفراً وثلثها فضة فاشترى بها رجل متاعاً وزناً جاز على كل حال ولا تتعين تلك الدراهم، وإن اشترى بدراهم مسماة من هذه الدراهم يعتبر عينها عدداً وهي بينهم وزناً فلا خير في ذلك؛ لأن قوله: اشتريت بكذا درهماً انصرف إلى الوزن؛ لأنهم متى تعاملوا الشراء بها وزناً لا عدداً تقررت الفضة الأصلية للدراهم وهي الوزن وصارت العبرة للوزن، والثمن إذا كان موزوناً فإنما يصير معلوماً بأحد أمرين إما بذكر الوزن، وإما بالإشارة إليها ولم يوجد شيء من ذلك (٤٧ب٣) فكان الثمن مجهولاً وهذا جهالة يوقعها في المنازعة؛ لأن فيها الخفاف والثقل معتبر عند الناس متى تعاملوا الشراء بها وزناً، فلهذا لم يجز.

وإن اشتراها بعينها عدداً فلا باس وإن كان تعامل الناس المبايعة بها وزناً؛ لأن جهالة الوزن في المشار إليه لا يمنع جواز البيع فيصح، ويصير معتبراً لبيان النقد والمقدار، فيصير كأنه قال: اشتريت بمثل وزن هذه الدارهم، فبعد ذلك إن أدى من غيرها يحتاج إلى وزن هذه الدارهم المشار إليها ليمكنه معرفة قدرها بالوزن، فيتمكن من أداء غيرها بمثل وزن هذه الدارهم، وإن أدى عينها صح من غير وزن كما في الدراهم الخالصة.

ولو عين هذه الدراهم وسماها وقال: اشتريت منك هذا المتاع بهذه الدراهم وهي كذا وكذا درهماً، أراد به تسمية الوزن وكانت تباع فيما بين الناس وزناً وقع ذلك على الوزن؛ لأن تقدير كلامه اشتريت منك هذا العرض بهذه الدارهم على أنها ألف أو على أنها مائة، ولو قال هكذا وجب على المشتري أن يوفيها وزن الذي يكون في بلادهم كذا ههنا.

هذا إذا كان بينهم وزناً، وإن كان بينهم عدداً، فاشترى بها يعتبر عينها عدداً جاز، وإن كان فيها الخفاف والثقال؛ لأن الناس تعاملوا الشراء بها عدداً لا وزناً، فالجهالة من حيث الثقل والخفة لا يوقعها في المنازعة فلا يمنع الجواز.

<<  <  ج: ص:  >  >>