للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقد من أن يكون ديناً بدين، فلا يصح الإبراء عنه، ومتى صحت الإقالة يجب على المسلم إليه رأس المال إلى رب السلم، فإن أراد رب السلم أن يستبدل برأس المال شيئاً بعد الإقالة لم يجز استحساناً، وبه أخذ علماؤنا الثلاثة رحمهم الله، وأصل المسألة أن الاستبدال برأس مال السلم بعد الإقالة قبل القبض هل يجوز؟ على قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله: لا يجوز وهذا استحسان، والأصل فيه قوله عليه السلام: «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك» ومتى جوزنا الاستبدال برأس المال بعد الإقالة قبل القبض صار آخذاً عين السلم وعين رأس المال، والمعنى فيه: أن الإقالة في باب السلم قبل قبض رأس المال تمت من وجه من حيث إنها أفادت لرب السلم ملك الرقبة، ولم يتم من وجه من حيث إنها لم تفد لرب السلم ملك التصرف، وملك اليد وحق رب السلم في المسلم إليه يثبت بنفس العقد ويتأكد بتسليم رأس المال، فما لم يقبض رأس المال يكون حقه في المسلم فيه قائماً من وجه، وإذا بقي حقه في المسلم إليه من وجه بدلاً عن رأس المال، وإنه جائز؛ لأنه وجب بسبب فسخ السلم لا بسبب السلم، ويأخذ من وجه بدلاً عن المسلم فيه؛ لأن الإقالة من حيث إنها لا تتم بها لم توجد؛ لأنه لا حكم لها شرعاً من ذلك الوجه، فيصير مستبدلاً بالمسلم فيه من وجه وإنه يجوز، وبرأس مال السلم من وجه وإنه لا يجوز، وقع الشك في الجواز، فلا يجوز بالشك والاحتمال، ولأجل ما ذكرنا من المعنى لم يشترط قبض رأس المال في مجلس الإقالة في باب السلم؛ لأنا إن اعتبرنا حق رب السلم في المسلم فيه من وجه لا يجب، فيصير كما لا يجب قبض المسلم فيه، وإن اعتبرنا حقه في رأس المال فكذلك لا يجب قبض رأس

المال؛ لأنه لم يجب بعقد؛ لأنه وجب بفسخ السلم وفسخ السلم لا يكون سلماً لا في حقها ولا في حق الثالث؛ لأن الفسخ حصل قبل قبض المبيع، فيكون فسخاً في حق الكل.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : رجل أسلم إلى رجل جارية في كر حنطة وقبضها المسلم إليه ثم تقايلا، فماتت الجارية في يد المسلم إليه، فعليه قيمتها يوم قبضها، وإن هلكت الجارية ثم تقايلا جازت الإقالة عليه قيمة الجارية.

إعلم بأن من هذا الجنس أربع مسائل:

إحداها: بيع العرض بالعرض إذا تبايع الرجلان عرضاً بعرض وتقابضا، ثم هلك أحد العرضين بعد الإقالة قبل التسلم بحكم الإقالة بقيت الإقالة على الصحة. ولو تقايلا بعد ما هلك العرضان فالإقالة باطلة.

والثانية: بيع العرض بالدراهم أو دنانير: إذا تبايع الرجلان عرضاً بدراهم أو دنانير وتقابضا، ثم تقايلا بعدما هلكت الدراهم فالإقالة صحيحة، ولو تقايلا بعدما هلكت العرض فالإقالة باطلة. ولو تقايلا وهما قائمان، ثم هلك أحدهما قبل التسليم بحكم الإقالة، إن هلك العرض بطلت الإقالة، وإن هلكت الدراهم بطلت الإقالة على الصحة، وقد ذكر مع العرض بالدراهم أو بالدنانير في فصل الإقالة، ثم الفرق بين فصل بيع العرض بالعرض وبين فصل بيع العرض بالدراهم أو بالدنانير أن الإقالة صحتها تعتمد قيام

<<  <  ج: ص:  >  >>