العقد من حيث الحكم؛ لأنها رفع للعقد ورفع العقد إنما يتصور حال قيامه والبيع (١٣٤أ٣) قائم في بيع العرض بالعرض من حيث الحكم قيام أحد العرضين؛ لأن قيام العقد قبل هلاك أحدهما كان بهما لا بأحدهما بعينه بأن يضاف قيام العقد إليه حكماً بأولى من الآخر؛ لأن كل واحد منهما مال حقيقة وحكماً؛ لأن كل واحد عين حقيقة وحكماً، وكل واحد منهما مثمن من وجه، فلا مزية لأحدهما على الآخر، فكان قيام العقد من حيث الحكم بهما جميعاً، وإذا كان قيام العقد حكماً بهما لا بأحدهما بعينه لم يرتفع العقد بهلاك أحدهما على ما عرف أن الثابت بشيئين لا يزول بزوال أحدهما، فبقي العقد بقيام أحدهما، فجازت الإقالة حال قيام أحدهما لقيام العقد بقيام أحدهما كما جازت حال قيامهما، فأما في بيع العرض بالدراهم والدنانير، فقيام العقد حكماً مضاف إلى البيع خاصة لا إلى البيع والثمن جميعاً؛ لأن للمبيع فضل مزية على الثمن، فإن المبيع مال حقيقة وحكماً؛ لأنه عين حقيقة وحكماً، والثمن دين حقيقية وحكماً إن لم يكن مشاراً إليه، وإن كان مشاراً إليه دين حكماً؛ لأن البيع لا يتعلق بعين المشار إليه، وإنما يتعلق بمثله ديناً في الذمة ولهذا جاز الاستبدال قبل القبض قلنا: والدين في الذمة مال حكماً واعتباراً وليس بمال حقيقة، ولهذا قالوا بأن البراءة عن الدين تصح من غير قبول كالطلاق والعتاق ويرتد
بالرد؛ لأنه مال حكماً وهبة العين لا يصح من غير قبول، ولا تتأدى زكاة العين بالدين؛ لأن الدين أنقص من العين، فصار مؤدياً الكامل بالناقص.
وكذلك قالوا فيمن حلف وقال: مالي صدقة على المساكين وله ديون على الناس لا تدخل تحت مطلق اسم المال من غير نية؛ لأنه ناقص في كونه مالاً، وإذا كان للمبيع ضرب مزية على الثمن لا بد من إظهار مزيته، وقد تعذر إظهار مزية المبيع على الثمن في حق انعقاد البيع؛ لأنه لابد لانعقاد البيع من مثمن وثمن، فأظهر مزيته في حق البقاء لما تعذر إظهار مزيته على الثمن في حق الانعقاد، فجعلنا قيام البيع حكماً كله مضافاً إلى المبيع لا إلى الثمن، فإذا هلك المبيع ارتفع البيع وإن بقيت الدراهم والدنانير.
والدليل: على أن بقاء البيع مضاف إلى قيام البيع لا إلى الثمن أنا أجمعنا على أنه لو وجد الثمن زيوفاً حال قيام المبيع فرده واستحق الثمن، فإنه يرجع بمثله ولا ينفسخ البيع. ولو كان قيام البيع مضافاً إليه لمكان ينفسخ البيع برده، كما في بيع العرض بالعرض لو استحق أحد العرضين إذا وجد به عيباً فرده، فإنه ينتقض البيع في الباقي، وفي الثمن لما بقي البيع على حاله علمنا أن قيام العقد مضاف إلى المبيع، فإذا هلك ارتفع البيع فلا يرتفع مرة أخرى بالإقالة.
المسألة الثانية بيع الثمن بالثمن: إذا تبايعا درهماً بدرهم أو ديناراً بدينار أو دراهم بدنانير، وتقايلا بعد هلاك أحد البدلين أو بعدما هلك البدلان لا تصح الإقالة، والفرق: وهو أن في باب الصرف لو تقايلا قبل هلاك البدلين صحت الإقالة بمثل الدراهم والدنانير التي قبضا ديناً في الذمة لا بأعيانهما كان لكل واحد فيهما أن يرد مثل ما قبض، ولا يلزمه رد ما قبض بعينه؛ وهذا لأن الفسخ معتبر بالعقد، والعقد لا يتعلق بأعيانهما وإن