بعد ما قبض رب السلم المسلم فيه قائم في يده، ثم اختلفا في مقدار رأس المال، وهناك يتحالفان أيضاً؛ لأن الإقالة في هذه الحالة تحتمل الفسخ قصداً، ففسخهما الإقالة على ما يقوله بعض مشايخنا وهو الفقيه أبو بكر البلخي رحمه الله، (١٣٤ب٣) ثم إنما كانت الإقالة في باب البيع قابلة للفسخ ولم تكن الإقالة في باب السلم قابلة للفسخ؛ لأن في باب السلم ما يتأول الإقالة وهو المسلم فيه في ذمة المسلم إليه، فملك المسلم إليه بالإقالة يسقط عنه فلا يمكن تصحيح فسخ الإقالة باعتبار المعقود عليه لو صح صح باعتبار الثمن، فكذا فسخها. فأما في باب البيع ما تتأوله الإقالة وهو المبيع قائم حقيقة فيمكن تصحيح الفسخ باعتبار المعقود عليه حتى لو هلك المعقود عليه بعد ما تقايلا وتقابضا، ثم أراد أن ينقض الإقالة لم يكن له ذلك.
وفي «فتاوي أبي الليث» رحمه الله: رجل أسلم إلى رجل في كر حنطة، فقال رب السلم للمسلم إليه: أبرأتك من نصف السلم، وقال المسلم إليه: وجب عليه رد نصف رأس المال؛ لأن هنا إقالة في نصف السلم، هكذا قاله أبو نصر محمد بن محمد بن سلام والفقيه أبو بكر الإسكاف، قالا: لأن السلم نوع بيع.
ومن اشترى شيئاً ثم قال المشتري قبل أن يقبض المشتري: وهبت لك نصفه وقبل البائع صار إقالة في النصف بنصف الثمن كذا هنا.
وقال أبو القاسم الصفار: هذا حط ولا يرد شيئاً من رأس المال، قال: وهو بمنزلة حط نصف الثمن في البيع. وفيه أيضاً: وقال أبو نصر فيمن أسلم دراهم في شيء، ثم إن رب السلم (قال:) وهبت ذلك الشيء للمسلم إليه إن قبل المسلم إليه، فعليه أن يرد رأس المال. وقال أبو بكر: ليس عليه الرد والهبة تبرئه من ذلك.
وفي «نوارد ابن سماعة» عن محمد: رجل أسلم إلى رجل ثوباً في كر حنطة ودفعه إليه، ثم ناقضه السلم، فله أن يبيع الثوب منه قبل أن يقبضه ولا يشبه العرض في هذه الدراهم، وهكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف زوائد أحدها: أنه لو باعه من غير المسلم فيه قبل القبض لا يجوز. الثاني: إذا لم يكن مستهلكاً لم يكن له أن يشتري منه قيمته شيئاً قبل أن يقبضه، وهو بمنزلة رأس المال إذا كان دراهم.
وفي «نوادر إبراهيم بن رستم» عن محمد: رجل أسلم إلى رجل عشرة دراهم في كر حنطة وله عليه أيضاً كر إلى سنة، فإقالة السلم على أن يعجل له الكراء لنسبة مال الإقالة جائزة والكراء إلى أجله، وإذا كان السلم حنطة ورأس المال مائة درهم، فصالحه على أن يرد عليه مائتي درهم أو مائة درهم أو خمسون كان باطلاً؛ لأن الصلح عن السلم متى كان غير مضاف إلى رأس المال بيع المسلم فيه، وههنا الصلح غير مضاف إلى رأس المال، فإنه لم يقل مائة وخمسون من رأس مالك وبيع المسلم فيه قبل القبض لا يجوز، فأما إذا قال: صالحتك من السلم على مائة من رأس مالك كان جائزاً، أو كذلك إذا قال على خمسين من رأس مالك كان جائزاً؛ لأن الصلح على رأس المال في باب السلم إقالة السلم قبل القبض جائزة إن كان لا يجوز بيعه.