كانت المسافة إلى القصر أقل من النصف أو أكثر فحال ما يسير الأجر مجهولاً؛ لأنه إذا لم يجاوز القصر فالأجر خمسة وإن جاوز فالأجر إلى القصر بقدر حصته وذلك دون الخمسة أو فوقها فكان الأجر مجهولاً حال سبب الوجوب، وهذا على «أصل» محمد؛ لأن عنده جهالة الأجر عند وجود سبب الوجوب يفسد العقد، فأما على أصل أبي حنيفة رحمه الله فالعقد جائز والوجه ما ذكرنا.
وذكر الحاكم الشهيد في «المنتقى» : أن من أجر دابة على أنه إن أتى عليها الكوفة فبعشرة وإن أتى القصر وهو المنتصف فبخمسة فهو جائز قال: وإن قال: وإن القصر وهو المنتصف فبستة لا يجوز قال: لأنه إذا أتى القصر لا يدري ما عليه ست أو خمسة.
كتب ابن سماعة إلى محمد رحمه الله: في رجل استأجر رجلاً على عدل قطن وعدل هروي وقال احمل أي هذين العدلين شئت إلى منزلي على أنك إن حملت القطن فلك أجر درهم، وإن حملت الهروي فلك أجر درهمين، فحمل الهروي والقطن جميعاً إلى منزله فالإجارة جائزة، وأيهما حمل أول مرة فهو الذي ألقاه الإجارة وهو متطوع في حمل الآخر ضامن له إن ضاع في قولهم جميعاً؛ وهذا لأن الإجارة وقعت في أحدهما لا بعينه فإذا حمل أحدهما بعين هو معقوداً عليه وانتهت الإجارة بحمله فيكون متطوعاً في حمل الآخر ضرورة، وهو ضامن للآخر إن ضاع في يده؛ لأن حمل الآخر حصل بغير إذن وإن حملهما جملة فعليه نصف أجر كل واحد منهما وعليه ضمان نصف كل واحد منهما عند أبي حنيفة إن ضاعا واشترك كل واحد منهما عند أبي حنيفة إن ضاعا واعتبر كل واحد منهما معقوداً عليه من وجه دون وجه ونصف الحملان عنده.
ألا ترى كيف ينصف الأجر بلا خلاف. وعلى قولهما خمنهما إن ضاعا؛ لأنه انعقد سبب الضمان على حق كل واحد منهما وهو القبض في أوانه. (١٩أ٤)
وفي «نوادر هشام» عن محمد رحمه الله: إذا قال لغيره: إن حملت هذه الخشبة إلى موضع كذا فلك درهم، وإن حملت هذه الخشبة الأخرى إلى ذلك الموضع فلك درهمان، فحملهما حملة إلى ذلك الموضع، فله درهمان أوجب أكثر الأجرين بكماله وإنه يخالف رواية ابن سماعة في العدلين.
ولو قال للخياط: إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم، فالشرط الأول صحيح في قول أبي حنيفة رحمه الله، حتى إنه لو خاطه في اليوم الأول وجب له درهم والشرط الثاني فاسد حتى لو خاطه في اليوم الثاني يجب أجر المثل.
وقال أبو يوسف ومحمد: الشرطان جائزان حتى لو خاطه في اليوم الأول فله درهم ولو خاطه في اليوم الثاني فله نصف درهم.
وقال زفر رحمه الله: الشرطان باطلان هكذا ذكر المسألة في «الجامع الصغير» .
وذكر في إجازات «الأصل» : إذا دفع الرجل إلى رجل ثوباً ليخيطه له قميصاً وقال له: إن خطته اليوم فلك درهم وإن لم تفرغ منه اليوم فلك نصف درهم، وذكر الخلاف على نحو ما ذكر في «الجامع الصغير» حكي عن الفقيه أبي القاسم الصفار أنه قال: