وقد مر ذلك في صدر الكتاب وإن استأجرها بطعامها وكسوتها ووصف ذلك جاز بالاتفاق، وإن لم يصف فالقياس أن لا يجوز وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله.
وفي الاستحسان يجوز وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وجه القياس في ذلك: أن الأجرة مجهولة وجهالة الأجرة يوجب فساد العقد، كما في سائر الإجارات وجه الاستحسان قوله تعالى:{والوالدات يرضعن أولادهن} إلى قوله: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}(البقرة: ٢٢٣) والمراد من قوله: {رزقهن وكسوتهن} أجرة الرضاع، لا نفقه النكاح لأن الله تعالى ذكر الإرضاع أولاً، ثم أوجب الرزق والكسوة ولم يذكر النكاح والحكم إذا نقل عقيب سبب قائماً يحال بالحكم على السبب المنقول، والسبب المنقول الإرضاع فعلم أن المراد من الآية الأجرة للرضاع.
فوجه الاستدلال بالآية: أن الله تعالى أوجب الأجرة للرضاع مع الجهالة فإنه قال: {بالمعروف} ، وإنما يقال: هذا فيما كان مجهول الصفة والنوع كما في قوله عليه السلام لهند امرأة أبي سفيان: خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف» فأما ما يكون معلوم القدر والصفة من كل وجه لا يقال له ذلك بالمعروف، فهذا دليل على أن الطعام والكسوة يصلح أجرة الرضاع مع الجهالة، ولأن هذا يجري مجرى نفقة الولد لأن الواجب في الحاصل والحقيقة نفقة الولد، إلا أن إيصال النفقة إلى الولد بواسطة الظئر وإذا كان هذا يجري مجرى النفقة صح مع الجهالة، ولأن الجهالة لا توجب فساد العقد بعينها بل للإفضاء إلى المنازعة والجهالة هاهنا لا تفضي إلى المنازعة لأن العادة فيما بين الناس، في كل البلدان التوسعة على الظئر وترك المنازعة في طعامهن وكسوتهن، لأن البخس في ذلك يؤدي إلى الضرر بالولد ومثل هذه العادة معدومة في سائر الإجارات.
وإذا صحت هذه الإجارة كان لها الوسط من الطعام والكسوة كما في نفقة الولد، والذي يجب على الظئر بعد الاستئجار الإرضاع والقيام بأمر الصبي فيما يصلحه من رضاعه وغسل ثيابه أما الإرضاع فظاهر، وأما القيام بأمر الصبي؛ فلأن القيام بأمر الصبي، وإن لم يكن من الارضاع إلا أن العادة فيما بين الناس أن الظئر هي التي تتولى ذلك فصار ذلك كالمشروط، وما يعالج به الصبيان من الريحان والدهن فهو على الظئر، وكان ذلك عرف ديارهم أما في عرفنا ما يصالح به الصبيان على أهله وطعام الصبي على أهله إن كان الصبي يأكل الطعام، والظئر أن يهبه والمرجع في جميع ذلك العرف وهذا لأن هذه الأشياء من توابع الإرضاع.
والأصل: أن الإجارة إذا وقعت على عمل فكل ما كان من توابع ذلك العمل ولم يشترط ذلك على الأجير في الإجارة فالمرجع فيه العرف وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.