للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد رحمه الله: إذا استأجر الرجل أرضاً فيها زرع أو رطبة أو قصب أو شجر أو كرم مما يمنع الزراعة، فهذا فاسد؛ لأنه أجر ما لا يمكن تسليمه إلا بضرر يلحقه؛ لأنه لا يمكن تسليم الأرض إلا بقلع الأشجار والزرع وفي قلع الأشجار والزرع ضرر بالآجر؛ لأن الأشجار على ملك الآجر، ومثل هذا يوجب فساد العقد كما في بيع العين.

ألا ترى أنه لا يجوز بيع الجذع في السقف؟ وإنما لا يجوز؛ لأنه باع ما لا يمكنه تسليمه إلا بضرر يلزمه في غير ما دخل تحت العقد كذا ها هنا.

والمراد من الزرع المذكور في هذه المسألة، الزرع الذي لم يدرك بحيث يضره الحصاد، أما إذا أدرك الزرع بحيث لا يضره الحصار.

ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» في كتاب الإجارات: أنه يجوز ويؤمر الآجر بقلع الزرع، وهكذا ذكر الصدر الشهيد رحمه الله في «شرح كتاب الإجارات» ، وهو نظير ما لو أجر داراً فيها متاع الآجر، فإن الإجارات جائزة ويجبر الآجر على التفريغ، كذا ها هنا، ثم إن محمداً رحمه الله نص على فساد هذه الإجارة، وهكذا حكي عن الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني أن هذا العقد فاسد، وبعض مشايخنا قالوا: إنه موقوف إلى تفريغ الأرض، وقاسوا هذه المسألة على مسألة بيع الجذع في السقف.

والحاكم الشهيد رحمه الله: مال إلى ظاهر ما ذكر محمد رحمه الله، وفرق بين هذه المسألة وبين مسألة بيع الجذع في السقف.

وفي «القدوري» : إذا استأجر أرضاً سنة فيها رطبة، فالإجارة فاسدة، فإن قلع رب الأرض وسلمها أرضاً بيضاء فهو جائز، وقاسه على ما إذا باع الجذع في السقف ثم نزع الجذع وسلمه إلى المشتري، وإن اختصما قبل ذلك فأبطل الحاكم الإجارة ثم قلع الرطبة، فالمستأجر بالخيار، إن شاء قبضها على تلك الإجارة وطرح عنه أجر ما لم يقبض، وإن شاء ترك، هذا جملة ما ذكره في «القدوري» ، ثم الزرع إذا لم يدرك، وأراد جواز الإجارة في الأرض.

فالحيلة في ذلك: أن يدفع الزرع إليه معاملة، إن كان الزرع لرب الأرض على أن يعمل المدفوع إليه في ذلك بنفسه، وأجرائه وأعوانه على أن ما يرزق الله تعالى من الغلة، فهو بينهما على مئة سهم، سهم من ذلك للدافع، وتسعة وتسعون سهماً للمدفوع إليه، ثم يأذن له الدافع أن يصرف السهم الذي له إلى مؤنة هذه الضيعة أو شيء أراد، ثم يؤاجر الأرض منه، وإن كان الزرع لغير رب الأرض ينبغي أن يؤاجر الأرض منه بعد مضي السنة التي فيها الزرع (٢٩ب٤) فيجوز، وتصير الإجارة مضافة إلى وقت في المستقبل.

وحيلة أخرى إذا كان الزرع لرب الأرض أن يبيع الزرع منه بثمن معلوم ويتقابضان ثم يؤاجر الأرض منه، وكذلك الحيلة في الشجر والكرم، يدفع الأشجار والكرم معاملة أو يبيع الأشجار والكرم منه، ثم يؤاجر الأرض منه، ثم إن بعض مشايخنا زينوا حيلة بيع الأشجار والكروم، وكانوا لا يجوزون إجارة الأراضي فيها أشجار وكروم بهذه الحيلة، وكانوا يقولون: بيع الأشجار هاهنا بيع تلجئة لا بيع رغبة بدليل أن المستأجر يمنع عن قلع الأشجار، وإذا كان بيع تلجئه لا يزيل الأشجار عن ملك صاحبها، فحين يؤاجر الأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>