من آخر ألواحاً وجعلها سفينة ينقطع حق المالك فأما عرصة الدار لا تتغير بالبناء عليها.
وفي «نوادر ابن سماعة» : عن أبي يوسف رحمه الله: رجل استأجر داراً وقبضها فانهدم بيت منها فرفع عنه من الأجر بحصته ولا يؤخذ منهما.
بيانه: وإذا استأجر غلاماً ليخدمه في المصر ثم أراد المستأجر أن يسافر فهذا عذر له في فسخ الإجارة؛ لأنه لا يمكنه استيفاء المعقود عليه إلا بحبس نفسه في المصر؛ إذ لا يمكنه أن يخرج بالعبد؛ لأن خدمة السفر أشق من خدمة الحضر وحبس نفسه في مكان يعينه عقوبة فيصير عذراً له في فسخ الإجارة، وأما إذا استأجره ليخدمه مطلقاً ولم يقيده بالمصر ثم أراد المستأجر المسافر هل يكون له عذر في فسخ الإجارة فهذه المسألة تبنى على مسألة أخرى أن من استأجر عبداً في المصر للخدمة هل له أن يسافر؟ إن لم يكن له أن يسافر به كان عذراً له، وإن كان له أن يسافر لم يكن عذراً وقد مرت المسألة في فصل الاستئجار للخدمة.
فإن قال المؤاجر للقاضي: إنه لا يريد السفر ولكنه يريد فسخ الإجارة، وقال المستأجر: أنا أريد السفر فالقاضي يقول: للمستأجر مع من يخرج فإن قال: مع فلان وفلان، فالقاضي يسألهم أن فلاناً هل يخرج معكم؟ وهل استعد للخروج؟ فإن قالوا: نعم ثبت العذر ومالا فلا، وهذا لأن الخروج لابد له من الاستعداد قال الله تعالى:{ولو أرادوا الخروج لأعدوا له العدة}(التوبة: ٤٦) وبعض مشايخنا قالوا: القاضي يحكم زيه وسامه فإن كانت يداه شاق السفر يجعله مسافراً وهذا؛ لأن الزي والسيما حجة يجب العمل بها عند اشتباه الحال على ما عرف في موضعه، وبعضهم قالوا: إذا أنكر الآجر السفر فالقول قوله وبعضهم قالوا: القاضي يحلف المستأجر بالله إنك عزمت على السفر، وإليه مال الكرخي والقدوري وكذلك لو خرج من المصر ثم عاد يحلّف بالله إنك قد خرجت قاصداً إلى الموضع الذي ذكرت، ولو أراد ربّ العبد أن يسافر لا يكون ذلك عذراً في فسخ الإجارة؛ لأنه لا يمكنه إيفاء المعقود عليه من غير أن يحبس نفسه في مكان معين بأن يخرج إلى السفر، ويخلي بين المستأجر وبين العبد.d
ونظير هذه المسألة إذا استأجر من آخر داراً ليسكنها ثم عزم على السفر لا يكون ذلك عذراً له في فسخ الإجارة، وإذا استأجر حانوتاً في سوق ليعمل فيه عملاً مثلاً بزازي فلحقه دين أو أفلس وقام عن السوق فهذا عذر في فسخ الإجارة؛ لأنه فات ما هو المقصود من هذه الإجارة؛ لأن المقصود منها أن يتجر في هذا الحانوت، ولا يمكنه ذلك بعد الإفلاس وبعد ما لحقه الديون لأن الغرماء يأخذون المال منه ويمنعونه عن التصرف فيه، ولم يكن شيء من ذلك ولكن أراد المستأجر أن يتحول إلى حانوت آخر هو أوسع إذا رخص ويعمل ذلك العمل لم يكن ذلك عذراً؛ لأن ما هو المقصود من هذه الإجارة لم يفت واستيفاء ما وقع عليه العقد ممكن من غير أن يلحق المستأجر ضرر لكن يفوته نفع طمعه، إلا أنّ تحصيل النفع ليس بواجب إنما الواجب دفع الضرر ولو أراد أن يقوم من هذا العمل ويعمل عملاً آخر.