جرت العادة بالمقام بمكة بعد الفراغ من الحج مثل مدّة النفاس، فيتضرر الحمال بذلك فيفسخ العقد دفعاً للضرر عنهما، أما في الفصل الثاني جبر الحمال على المقام ممكن؛ لأن العادة جرت بالمقام بمكة بعد الفراغ من الحج مثل هذه المدة فلا يتضرر الحمال بذلك.
ولو اشترى شيئاً وأجره من غيره ثم اطلع على عيب به فلا يرده بالعيب وتفسخ الإجارة؛ لأن لو نفينا عقد الإجارة يتضرّر الآجر من حيث إن يلزمه المبيع معيباً، وإذا أجر الرجل نفسه في عمل من الأعمال ثم بدا له أن يترك ذلك العمل وينتقل إلى غيره بأن كان حجاماً مثلاً أجر نفسه للحجامة ثم قال: أنفت من هذا العمل وأريد أن أتركه ليّس له ذلك؛ لأنه التزم العمل وصح الالتزام؛ ولا عار فيه وقت الالتزام لأنه من أهله إنما أراد أن يترفع الآن فيقال له: أوف ما التزمت.
ثم تترفع وإن كان ذلك العمل ليس من عمله وهو مما يعاب بذلك فله أن يمتنع عن العمل، وأن يفسخ الإجارة؛ لأنه إذا لم يكن ذلك العمل من عمله يلحقه العار في المضي عليه، فيصير ذلك عذراً له في فسخ الإجارة، وكذلك المرأة إذا أجرت نفسها ظئراً ممن يعاب بذلك، فلأهلها أن يخرجوها وكذا إن انتهى لم يجبر عليه لما ذكرنا.
وعن محمد رحمه الله، فيمن استأجر أرضاً ليزرع شيئاً سماه فزرعها وأصاب الزرع آفة وقد ذهب وقت زراعة ذلك النوع، فإن أراد أن يزرع ما هو أقل ضرراً من الأول أو مثله فله ذلك وإلا فسخت الإجارة، وألزمته ما مضى من الأجر وهذا؛ لأن في إيفاء العقد مع فوات المقصود اضرار بالمستأجر ولا ضرر للآجر في زراعة ما هو دون الأوّل أو مثله.
وإذا انتقص الماء عن الرّحى، فإن كان النقصان فاحشاً فللمستأجر حق الفسخ وإن كان غير فاحش فليس له حق الفسخ؛ لأن مدة الإجارة لا تخلو عن نقصان غير فاحش غالباً وهذا لأن الماء يجري على سنن واحد وإنما بل ينتقص مرة ويزداد بأخرى غير أن النقصان الفاحش في مدة قليلة ليس بغالب وغير الفاحش غالب، فإذا أقدم على استئجار الرحى مع علمه بما قلنا يصير راضيااً بالغير الفاحش، ولا يصير راضياً بالفاحش فلا يثبت حق الفسخ في غير الفاحش لمكان الرضا، ويثبت في الفاحش لعدم الرضا.
قال القدوري في «شرحه» : إذا صار يطحن أقل من نصف طحنه، فهو نقصان فاحش.
وفي «واقعات الناطفي» : إذا قل الماء ويدور الرحى ويطحن على نصف ما كان يطحن، فللمستأجر ردّه أيضاً ولو لم يرده حتى طحن كان هذا رضاً منه، وليس له أن يرد الرحى بعد ذلك وهذه الرواية تخالف رواية القدوريّ هذا إذا انتقص الماء عن الرحى في بعض المدّة، نحو أن يستأجر رحاً ما كل شهر بأجر مسمّى فانقطع الماء عنها في بعض الشهر، فلم يعمل فللمستأجر الخيار هكذا ذكر في «الأصل» ، وهذا نص على أن الإجارة لا تنفسخ بانقطاع الماء عن الرحى؛ لأن المعقود عليه وهو منفعة الطّحن وإن فاتته قبل