فإن قيل: يجب أن يضمن البصري؛ لأن المستأجر شيء أودع ما استأجر من غيره يصير ضامناً فيجب أن يضمن البصري حصّته لمن دفع حصته إلى الكوفي وديعة.
قلنا: إنما يضمن بالإيداع إذا كان إيداعاً لا يجب الأجر بإمساك المودع كإمساكه الأجر لا يصير ضامناً، ويكون إمساك المودع كإمساكه والإيداع هاهنا حصل على وجه لا يجب الأجر بإمساك المودع؛ لأنه يمسكها في طريق الكوفة فإمساكه كإمساكه، وإن كان أعار نصيبه من الكوفي أو آخر يجب أن يضمن البصريّ نصيبه على قول أبي يوسف؛ لأنه ليس لمستأجر الفسطاط عند أبي يوسف أن يعير وأن يؤاجر من غيره، والكلام في وجوب الضمان على الكوفي نظير الكلام في وجوب الضمان على البصريّ وعليهما الأجر كملاً.
إن أودع البصريّ نصيبه؛ لأن إمساك الكوفي كإمساكه وإن كان أعار منه لا أجر على البصري؛ لأنه صار مخالفاً وإن ارتفعا إلى القاضي وقصّا عليه القصّة واختصما في ذلك، فإن القاضي إن شاء لم يلتفت إلى ما قالا ما لم يقيما بّينة على ذلك؛ لأنهما يريدان إيجاب حفظ على القاضي في مال الغائب، فكان للقاضي أن لا يلزم ذلك بمجرد قولهما لكن جاء بداية إلى القاضي وقال: وجدتها لقطة من هي بالإنفاق عليهما كان للقاضي أن لا يصدقه فيما قال ما لم يقم البينة، وإن شاء القاضي صدقهما فيما قالا، ثم هو بالخيار إن شاء ترك ذلك في أيديهما، وإن شاء فسخ الإجارة؛ لأن القاضي نصب ناظراً في مال الغائب فإن رأى القاضي النظر للغائب في فسخ الإجارة فسخ؛ لأنه لا يستحق على البصريّ الرجوع إلى الكوفة بسبب إجارته الفسطاط.
ألا ترى أنه في أول الأمر حين استأجر الفسطاط لو قال: أقعد بالكوفة ولا أخرج إلى مكة كان له ذلك، فكذلك إذا بلغ مكة إذا قال: لا أخرج إلى الكوفة كان ذلك عذراً له في فسخ الإجارة فكان له أن يفسخ الإجارة، فإن فسخ الإجارة وبعد هذا يؤاجر نصيب البصري من الكوفي إن رغب في إجارة نصيب البصري، حتى يصل إلى الغائب عين الفسطاط مع الأجر ويكون هذا أولى من الإجارة من غيره؛ لأن الرد على صاحب الفسطاط مع الأجر يحصل مع مختار صاحب الفسطاط، فكان أولى من الإجارة من غيره وتجوز هذه الإجارة عندهم جميعاً وإن أجر المشاع؛ لأن إجارة المشاع ممن يملك الانتفاع بالكل جائز عندهم جميعاً.
كما لو أجر من شريكه، وإن لم يرغب الكوفي في إجارة ذلك يؤاجر من غيره إن وجد، لأنه أنفع للغائب من أن يودعه، ولا يؤاجر وتجوز هذه الإجارة وإن أجر المشاع ممن لا يملك الانتفاع؛ لأنه قضى في موضع مختلف فيه فيفنذ قضاؤه بالكل، وإن لم يجد أحداً يؤاجر نصيبه يودع نصيب البصريّ من الكوفي إن رآه ثقة حتى يصل إلى المالك، وإن شاء ترك ذلك في أيديهما؛ لأن في الترك في أيديهما نظر للغائب؛ لأنه إن ذهب البصريّ بالفسطاط كان مضموناً على البصري لو هلك في يده ولو فسخت الإجارة، وبعث بها إلى صاحبه ربما يهلك في الطريق فلا يصل إلى صاحبه لا عينه ولا بدله، فإن مال إلى هذا وفيه نظر للغائب من وجه كان له ذلك.