ولو اكتريا دابة من بغداد إلى الكوفة ذاهباً وجائياً فلما بلغا الكوفة بدا لأحدهما أن لا يرجع إلى بغداد كان ذلك عذراً في فسخ الإجارة؛ لأنه قصد ترك السفر إلى بغداد في الانتهاء فيكون ذلك عذراً كما لو ترك السفر في الابتداء فإن رفعا الأمر إلى القاضي في فسخ الإجارة وتصادقا على ذلك ولم يقيما بينة فالقاضي لا يعرض بشيء من ذلك لأن قولهما ليس بحجة على القاضي فإن أقاما البينة مع تصادقهما على ذلك فالقاضي لا يفسخ الإجارة لما في ذلك من القضاء على الغائب لكنه إن شاء أجر ذلك النصف من شريكه على سبيل النظر؛ لأن الإجارة على الغائب من باب النظر فيفعله القاضي ذلك كما في اللقطة إذا كانت دابة فإذا فعل ذلك يضمن ذلك انفساخ الإجارة الأولى في حق صاحب العذر مقتضى صحة ما يفعله، ويجوز أن يثبت الشيء ضرورة وإن كان لا يثبت مقصوداً.
وفي الكتاب يقول: إن شاء القاضي يكري للدابة كلها من الذي يرجع إلى بغداد ومعناه أن القاضي يكري النصف الذي كان لصاحب العذر من الذي يريد الرجوع إلى بغداد، ويقرر الكراء في النصف الذي كان له، وإن شاء أكرى نصفها من آخر فتركناها جميعاً أو على سبيل الثاني كما كانا يفعلان مع الأول، وأشار في بعض روايات هذا الكتاب أنهما إذا تصادقا على ما ادعيا في هذه المسألة ولم يقيما بينة أن القاضي يتعرض إما إن شاء أجر ذلك النصف من شريكه الذي يريد الرجعة إلى بغداد أو من رجل آخر على سبيل النظر، كما يفعل مثل هذا إذا أقاما البينة، وذكر في مسألة أول النوع أنهما إذا أجمعا على شيء فالقاضي يتركهما وما أجمعا عليه ولا يتعرض لهما، وليس في المسألة روايتان لكن ما ذكر في مسألة أول النوع (٤٦آ٤) جواب القياس.
وما ذكر هاهنا جواب الاستحسان وهذا لأن تصادقهما والدابة في أيديهما بمنزلة إقامة البينة، ولو أقاما البينة، القياس أن لا يتعرض لهما، وفي الاستحسان إن فعل كان أحسن وأفضل، وإذا كان فعل البينة على القياس والاستحسان فكذا فصل التصادق.
ثم لم يذكر في الكتاب أنه إذا لم يجد من يكتري ذلك النصف هل له أن يودع ذلك النصف من الذي يريد الرجوع إلى بغداد؟ وذكر في موضع آخر أنه إن شاء فعل ذلك فيكون النصف في يده بالوديعة والنصف بالإجارة فيركب يوماً وينزل يوماً وهذا الإطلاق على قولهما أما على قول أبي حنيفة إجارة النصف من رجل آخر لا يجوز لمكان البيوع
ابن سماعة عن محمد: رجل دفع إلى قصار ثوباً ليقصره له بدرهم فقال القصار: هذا ثوبك وقد قصرته بدرهم كما أمرتني وقال دافع الثوب: ليس هذا ثوبي، وثوبي غير هذا فالقول قول القصار أن هذا ثوبه ولا يضمن بقول الدافع، والقول قول دافع الثوب فيما ادعى عليه القصار من الأجر ولا أجر للقصار، أما القول قول القابض في تعيين المقبوض ولا أجر للقصار؛ لأن الأجر إنما يستحق بإقامة العمل في المحل المأذون فيه وقد اختلفا فيه، وإن قال رب الثوب هذا ثوبي ولم آمرك أن تقصره والذي دفعت إليك ليقصر غير هذا فإنه يأخذ هذا الثوب ولا أجر عليه قال: ولو كان هذا في القطع والخياطة لم يأخذه ولكنه يضمن الخياط قيمته ويتركه على الخياط إن شاء ولم يثبت مثل هذا الخيار