فليس له أن يودع على ما مر قبل هذا. وإن كان اكتراه للركوب ولم يسم الراكب فلا ضمان عليه؛ لأن له أن يودع في هذه الصورة.
وفيه أيضاً: وإذا دفع الرجل فرسه إلى رجل ليذهب به إلى ولده، فذهب به وسار مرحلة، ثم إنه سيب الفرس في رباط، ومضى لوجهه، فجاء رجل من أهل تلك القرية، فذهب الأمير بالفرس فهلك الفرس في الطريق، فضمان الفرس على من يجب؟ قال: لا شك أن الأول ضامن بتسيبه، وأما مستأجر الأجير الذي ذهب بالفرس إلى منزله، إن كان لم يأخذ الفرس فلا ضمان عليه؛ لأنه لم تثبت يده على الفرس، وإن أخذه ثم دفعه إلى الأجير، فإن أشهد أنه إنما أخذ ليرده على صاحبه، وكان الأجير من في عياله لا ضمان أيضاً؛ لأن الملتقط بالإشهاد يصير أميناً، والأمين أن يدفع الأمانة إلى من في عياله، ويحفظه بيده. وإن ترك الإشهاد أو أشهد، لكن الأجير لم يكن في عياله ضمن؛ لأنه صار غاصباً بالأخذ من غير إشهادو صار ضامناً بالدفع إلى من ليس في عياله، وأما الأجير فهو ضامن على كل حال؛ لأنه أثبت يده على مال الغير بغير إذنه، لا على وجه الجنسية، هكذا ذكره.
وهذا الجواب في حق الأجير، مشكل إذا كان المستأجر أشهد على أنه أخذه ليرده على المالك، والأجير في عيال المستأجر. وإن سلم الفرس في ذلك الرباط إلى ابن أخ صاحب الفرس، لا يبرأ عن الضمان. وإذا ضمن الأجير لا يرجع بما ضمن على المستأجر بخلاف المودع والمستأجر، فإنهما يرجعان بما ضمنا على المودع والمؤاجر؛ لأنهما يمسكان العين لصاحب العين.
أما المودع فظاهر، وأما المستأجر فلأن صاحب العين يستحق عليه الأجرة بهذه الإمساك وإنها عين، والمستأجر يستحق المنفعة والعين خير من المنفعة، فكانا عاملين لصاحب العين في إمساك العين، فيرجعان بما لحقهما من الضمان على صاحب العين، فأما الأجير فإنما يمسك العين لنفسه؛ لأنه بهذا الإمساك يستحق الأجر على الغير بمقابلة منفعة نفسه، فكان في هذا الإمساك عاملاً لنفسه، فلا يرجع بما لحقه من الغرم على غيره.
وفي «فتاوى أبي الليث» : رجل استأجر حماراً لينقل التراب من خربة، فأخذ في النقل، فانهدمت الخربة وهلك الحمار، فإن انهدمت من معالجة المستأجر ضمن قيمة الحمار؛ لأن الحمار تلف بصنعه، وإن انهدمت من غير معالجة المستأجر بل لرخاوة فيها ولم يعلم المستأجر به فلا ضمان؛ لأنه (٥٠ب٤) لم يتلف بصنعه ولا قصر في حفظه.
وفيه أيضاً اكترى حماراً ليحمل عليه الشوك، فدخل في سكة فيها نهر، فبلغ موضعاً ضيقاً، فضرب الحمار فوقع الحمار في النهر مع الحمل، فاشتغل المستأجر بقطع الحبل فهلك الحمار، إن كان المكان بحال لا يسع فيه مثل ذلك الحمار فهو ضامن؛ لأنه عرض الحمار للتلف، وإن كان الحمار يسع في ذلك الموضع مع الحمل، إن عنف في الضرب حتى وثب الحمار بضربه يصير ضامناً أيضاً، لما ذكرنا، وإن وقع لا من ضربه فلا ضمان