للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قول أبي حنيفة. وهو قول زفر والحسن، وإنه قياس سواء هلك بأمر يمكن التحرز عنه كالسرقة والغصب، أو بأمر لا يمكن التحرز عنه كالحريق الغالب، والغارة الغالبة والمكابرة.

وقال أبو يوسف ومحمد: إن هلك بأمر يمكن التحرز عنه فهو ضامن، وإن هلك بأمر لا يمكن التحرز عنه فلا ضمان. وما هلك في يده بعمله، كالقصار إذا دق الثوب، فتخرق أو ألقاه في النورة فاحترق، أو الملاح إذا غرقت السفينة من يده، والحمال إذا بعثر فهو ضامن عند علمائنا رحمهم الله؛ لأن الهلاك حصل من عمل غير مأذون فيه؛ لأن الهلاك حصل من دون محرق، والدق المخرق غير مأذون فيه؛ لأنه لم يدخل تحت العقد. بيانه: أن المعقود عليه في حق الأجير عمل في الذمة، وإنه نوعان: سليم، ومعيب والمستحق بحكم المعاوضات السليم دون المعيب، وفي وسعه تسليم السليم؛ لأن العيب إنما يحصل بحرق، وعنف يكون من العامل، والتحرز عنه متمكن فلم يدخل المخرق تحت العقد والإذن بخلاف المعين؛ لأن المعين متبرع في العمل، فلا يستحق عليه عمل سليم عن العيب بمطلق الإعانة. كما في هبة العين بخلاف ما نحن فيه وبخلاف النزاع والختان؛ لأنه ليس في وسعهما تسليم السليم؛ لأن السلامة بعد وجود القطع بحده إنما يكون بدفع السراية، ودفع السراية إنما يكون بقوة طبع المعقود به النزع، فلا يكون دفع في وسع الفاعل، فلا يصير مستحقاً عليه. بخلاف ما نحن فيه، فإن الدق السليم عن الخرق في وسعه، فيصير مستحقاً عليه بحكم المعاوضة. وبخلاف الأجير لواحد؛ لأن المعقود عليه في حق الأجير لواحد بتسلم النفس لا بمقابلة العمل. وإذا لم يكن الأجر في حقه بمقابلة العمل كان معيناً في حق العمل، فلا يستحق عليه عمل سليم، ثم إذا وجب الضمان على الأجير المشترك بما جنت يده عند علمائنا الثلاثة، كان المستأجر بالخيار:

إن شاء ضمنه قيمته معمولاً، وعليه أجر المثل؛ لأنه موافق في أصل العمل مخالف في الصفة.

فإن شاء صاحب الثوب مال إلى الخلاف، وضمنه قيمة ثوبه غير معمول، ولا أجر له؛ لأنه لم يتسلم العمل.

وإن شاء مال إلى الوفاق وأخذ الثوب وأعطاه أجر مثله.

ثم الأجير المشترك إنما يضمن ما جنت يده عندنا إذا كان محل العمل مسلماً إليه تسليماً يكفي لنقل ضمان العقد لو كان مشتركاً، والمضمون ما يجوز أن يضمن بالعقد، وفي وسع الأجير دفعه، وإنما شرط أن يكون محل العمل مسلماً إليه. لأن ما يجب على الأجير المشترك من الضمان بجناية يده إذا لم يتعمد، ولم يخالف ضمان العقد فإنه لولا هذا العقد بأن كان معيناً لا يضمن، وضمان العقد لا يستوفى من العاقد إلا بالتخلية، كما في بيع العين.

وإنما شرطنا أن يكون المضمون بحال يجوز أن يضمن بالعقد لما ذكرنا: أن ما يجب على الأجير المشترك من الضمان بجناية يده، إذا لم يتعمد، ولم يخالف ضمان عقد، وإنما يضمن بالعقد ماله أثر في إيجابه وهو المال، فأما المضمون إذا كان شيئاً لا

<<  <  ج: ص:  >  >>