للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضمن بالعقد كمال كالدم، فإنه لا يجب الضمان فيه على الأجير. وإنما شرطنا أن يكون في وسع الأجير دفع ذلك الفساد؛ لأن العقد إنما ينعقد على ما في وسع الأجير لا على ما ليس في وسعه.

نوع آخر في الحمال ومكاري الدابة والسفينة

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : في رجل استأجر حمالاً ليحمل له دناً من القراب إلى مكان معلوم بأجر معلوم، فوقع الحمال في بعض الطريق وانكسر الدن.

فإن شاء ضمنه قيمته في المكان الذي حمله ولا أجر له.

وإن شاء ضمنه في المكان الذي انكسر وأعطاه من الأجر بحساب ذلك. وهذا مذهب علمائنا الثلاثة رحمهم الله؛ لأن الحمال أجير مشترك هلك العين في يده لوقوعه، وعثاره، والتحزر عنه ممكن في الجملة، فيجب عليه الضمان عندنا لما مر والمستأجر بالخيار على ما بينا؛ لأن الحمال موافق من وجه فإنه أمر بالحمل، وقد حمل مخالف من وجه؛ لأنه أمره بالحمل على وجه يصير الدن محمولاً إلى مكان معين، ولم يأت بذلك الحمل.

فإن شاء مال إلى جهة الخلاف، وضمنه في المكان الذي حمل ولا أجر؛ لأنه لم يسلمه العمل.

وإن شاء مال إلى جهة الوفاق وضمنه في المكان الذي انكسر، وأعطاه من الأجر بحساب ذلك. وفي هذه المسألة إشكالان:

أحدهما: أنه قال له أن يضمنه قيمته في المكان الذي حمل، ولم يوجد منه سبب ضمان في ذلك المكان.

والثاني: أنه قال: إذا ضمنه قيمته في المكان الذي انكسر أعطاه الأجر بحسابه جمع بين الأجر والضمان، والأجر مع الضمان لا يجتمعان على مذهبنا والجواب عن الإشكال الأول: لا بل وجد سبب الضمان في ذلك المكان. وهذا لأن سبب الضمان وإن كان هو من عمله ذلك حالة الانكسار، إلا أن الفساد الحاصل من عمله استبدالي حالة العقد؛ لأن الانكسار من عمله إنما أوجب الضمان باعتبار العقد، فإنه بدون عقد الإجارة الأجير يكون معيناً في الحمل، ولا ضمان على المعين ولما كان وجوب الضمان باعتبار العقد كان سبب وجوب الضمان العقد من حيث الاعتبار، والحكم يضاف إلى السبب، فقد وجد سبب الضمان في المكان الذي انكسر من عمله، فلهذا يخير.

والجواب عن الإشكال الثاني: الأجر مع الضمان إنما لا يجتمعان عندنا في حالة واحدة، وقد اختلف الحالة هاهنا بيانه: أنه إذا ضمنته قيمته في المكان الذي انكسر، فقد جعل المتاع أمانة عنده من حيث حمل إلى المكان الذي انكسر، فالأجر يجب له في حالة الأمانة، وإنما صار مضموناً عند الكسر. وهذه حالة أخرى بعد انقضاء حالة الأمانة. ومثل هذا جائز. ألا ترى أنه لو حمل المتاع إلى ذلك المكان المعين، ثم أحرقه أو طرحه فإنه يضمن قيمته في ذلك المكان الذي أحرقه أو طرحه، ولا يبطل الأجر، لأن الأجر

<<  <  ج: ص:  >  >>