فأما إذا كان بينهما تفاوت ظاهر من حيث الطول والقصر أو السهولة والصعوبة، ضمن الأجير. وهو رواية هشام عن محمد غير أنه أطلق في الكتاب؛ لأن الطريق إذا كان يسلكها الناس، قل ما يقع التفاوت فيها حتى لو حمله في البحر ضمن، وإن كان مما يحمله الناس لما كان بينهما تفاوت فاحش، ولكن إذا بلغ فله الأجر في البحر وغيره؛ لأنه إذا سلم يبقى التفاوت صورة، فلا يمنع وجوب الأجر.
قال الناطفي: وهكذا الجواب عندي في البضاعة، إلا أن يأذن صاحبه في الحمل في البحر.
وفي «فتاوى أبي الليث» : إذا استأجر مكارياً يحمل له عصيراً على دابته إلى موضع معلوم، فلما أراد أن يضعه عن الدابة أخذ أحد العدلين من جانب ورمى بالعدل الآخر من الجانب الآخر فانشق العدل من رميه وخرج العصير. فالمكاري ضامن لنقصان الزق، وللعصير؛ لأن الهلال كان بصنعه.
استأجر حمالاً ليحمل حقيبته إلى مكان معلوم، فانشقت الحقيبة بنفسها وخرج ما فيها. قال الفقيه أبو بكر: الحمال ضامن، كالحمال إذا انقطع حبله.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لا يضمن الحمال، ويشبه هذا انقطاع الحبل؛ لأن ثمة التفريط كان من قبل الحمال، حيث شد الحمل بحبل واه، وههنا التقصير من قبل صاحب الحقيبة، حيث جعل ماله في حقيبة لا يستمسك ما فيها.
قال الفقيه رحمه الله: وتأخذ ونحن نفتي به أيضاً. وفي «فتاوى الفضلي» رحمه الله: إذا رفع حملاً إلى مكار ليحمله إلى موضع، وشرط عليه أن يسير ليلاً، وصاحب الحمل معه يسيران ليلاً، فضاعت الدابة مع الحمل. قال: إن كان المكاري ضيع بترك الحفظ ضمن بلا خلاف. وإن ضاعت الدابة من غير تضييع من المكاري، لم يضمن المكاري في قول أبي حنيفة خلافاً لهما. وينبغي أن لا يضمن إذا كان رب المتاع يسير معه، بلا خلاف بدليل ما مر قبل هذا.
وفي «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: مكار حمل كرابيس رجل، فاستقبله اللصوص فطرح الكرابيس وذهب بالحمار. قال: إن كان لا يمكنه التخلص منهم بالحمار والكرابيس، وكان يعلم أنه لو حمله أخذ اللصوص الحمار والكرابيس فلا ضمان؛ لأنه لم يترك الحفظ مع القدرة عليه.
نوع آخر في النساج والخياط
قد ذكرنا بعض مسائل النساج في فصل الحبس بالأجر. ومن جملة ما لم نذكر ثمة نساج كان ساكناً مع صهره، ثم اكترى داراً وانتقل إليها وترك الغزل ثمة، فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة؛ لأن الغزل ما دام ثمة فهو ساكن عنده، فالسكنى عنده لا تبطل ما دام بعض المتاع باقياً. وعندهما: هو ضامن على كل حال. وفي «فتاوى الفضلي» : إذا دفع إلى نساج غزلاً لينسجه كرباساً، فدفع النساج إلى آخر لينسجه فسرق من عند الآجر، إن