قدر المراحل لا عبرة فيهما للسهولة والصعوبة فكذلك هذا.
فقال بعضهم: بأنه يتعرف قدر الساقط من القائم باعتبار السهولة والصّعوبة في العمل بسبب صغر الثوب وكبره، وهذا لأن العمل قد يسهل على الحائك بطول الثوب، ويصعب بقصره، فإنه متى قصر يحتاج إلى الوصل، وإلى عمل الدقيق مراراً، ومتى طال يحتاج إلى ذلك مرة واحدة وهذا التفاوت معتبر فيما بين العمل من هذه الصناعة في زيادة الأجر بسبب صغر الثوب، ونقصانها بسبب الكبر، فلا بد من اعتبارها. وإذا وجب اعتبارهما يجب أن يقيم الباقي من المسمى، وذلك درهمان على أجر مثل عمله في من، وأجر مثل عمله في منّ ونصف درهمان ونصف، وفي منّ درهمان يكون بازاء الزيادة نصف درهم، فيطرح عنه من درهمين نصف درهم حصة ما لم يعمل، بخلاف المراحل؛ لأن الصعوبة والسهولة في المراحل ساقط الاعتبار، فيما بين أهلها إذا اشتملت على المراحل السهل والصعب، فلهذا وجب قدر المراحل في قسمة الأجر بخلاف ما نحن فيه؛ لأن التفاوت في القصر والكبر معتبرة في التفاوت في الأجرة، فلا بد من اعتبارها اللهم إلا أن يكون التفاوت بين القصير والطويل بذرع أو بذرعين حتى لا يكون لهذا التفاوت عبرة في زيادة الأجر ونقصانه.
ولم يذكر محمد رحمه الله أن صاحب الثوب يخير وإنما لم يذكر الخيار. وإن خالفه الحائك في صفة ما أمر به، لأنه متى نسج الثوب من منّ ونصف، يكون أطول مما إذا نسجه من منّ واحد، والطول في الثياب صفة مرغوبة كالصفاء والرقة، لأن الطويل يصلح لنوع لا يصلح له القصير، إلا أن التخير غير ممكن بعد هلاك الثوب؛ لأنه لا يمكنه ترك الثوب عليه حتى يضمنه غزلاً مثل غزله، فتعين وجوب الأجر، ثم ماذا يجب أجر المثل، أو المسمى؟ فعلى قول بعضهم: أجر المثل لا يجاوز حصته من المسمى، وعلى قول بعضهم: إن رضي بالعيب فعليه المسمى بحساب ذلك، وإن لم يرض بالعيب فعليه أجر مثل العمل لا يجاوز حصته من المسمى، كما قلنا فيما تقدم من المسائل. ومحمد رحمه الله ذكر الأجر في هذه المسألة مطلقاً ولم يقل المسمّى يخرجها على حسب ما ذكرنا في المسألة الأولى، فأما إذا كان قائماً: إن كان لا يعرف مقدار ما دفع إليه صاحب الغزل، فالجواب فيه كالجواب فيما إذا كان هالكاً من أوله إلى آخره؛ لأنه تعذر معرفة ما وقع التنازع فيه من حيث الوزن، وإن كان الثوب قائماً فكان الجواب فيه كالجواب فيما إذا كان الثوب مستهلكاً، فأما إذا كان الثوب قائماً وقد عرف مقدار ما دفع إليه من الغزل، بأن تصادقا على أن ما دفع إليه منّ إذا كان الثوب قائماً، فإنه يوزن الثوب؛ لأن معرفة ما وقع التنازع فيه ممكن من حيث العنان بالوزن؛ لأن ما وقع إليه إذا كان معروفاً يعرف الزيادة من حيث الوزن، فلا يلتفت إلى قول واحد منهما، بل يوزن الثوب فإن وزن فإذا هو من واحد لم تثبت الزيادة بيقين، فيكون القول قول صاحب الثوب من غير يمين وإن كان منوينّ فالقول قول الحائك، إن لم يدع رب الثوب إن الزيادة من الدقيق؛ لأن الزيادة تثبت بتصديق صاحب الثوب. وإن أدعى أن الزيادة من الدقيق، فلم يرى أهل البصر من