قال محمد رحمه الله في «الجامع» : وإذا قضى القاضي بالدار للمدعي ببينة أقامها، فأقر المقضي له بالدار أن الدار دار فلان لا حق له فيها، وصدقه فلان في ذلك فقال المقضي عليه للمقضي له: قد أكذبت شاهديك، حين أقررت أنها لفلان لا حق لك فيها، وأقررت بخطأ القاضي في قضائه، فرد الدار عليّ أو قيمتها فالقضاء ماض، ولا سبيل للمقضي عليه لا على الدار، ولا على المقضي له، لأن القضاء نفذ من حيث الظاهر وقع الشك في نقضه، لأن قول المقضي له: هي لفلان محتمل يحتمل أن يكون نفياً لحقه عنها بسبب سابق على القضاء، ويحتمل أن يكون نفياً لحقه عنها بسبب حادث بعد القضاء أوجب نقله إلى فلان، وقع الشك في نقض القضاء، فلا ينقض بالشك.
فإن قيل: هذا الاحتمال إن كان يتأتى فيما إذا أقرّ به بعدما غابا عن مجلس القضاء، لا يتأتى قبل الغيبة والجواب فيهما واحد.
قلنا: لا بل يتأتى قبل الغيبة أيضاً بأن يقول المدعي: الدار كانت لي من الأصل، وقد كنت بعتها قبل القضاء من المقر له على أني بالخيار ثلاثة أيام حتى بقيت الدار على ملكي في مدة الخيار، ثم إن المقضي عليه استولى على الدار وغصبها، ثم لما قضى القاضي بالدار لي انقضت مدة الخيار عقيبه بلا فصل، فأمكن الجمع بين هذا الإقرار وبين الدعوة الأولى والشهادة على هذا الوجه، وإذا كان محتملاً لا يجوز نقض القضاء بالشك، ولو لم يقل على هذا الوجه، ولكن قال بعد القضاء له: هذا الإقرار لفلان ولم يكن لي قط بدأ بالإقرار لفلان، ثم بالنفي عن نفسه أو بدأ بالنفي عن نفسه، ثم بالإقرار لفلان، بأن قال: هذه الدار لم تكن لي قط وإنما هي لفلان، فإن صدقه المقر له في جميع ذلك يرد الدار على المقضي عليه في الوجهين جميعاً، لأنه أكذب شهوده وأقر ببطلان القضاء إذا لم يمكن الجمع بين هذا الإقرار وبين الدعوى الأولى والشهادة، ولا بقي على المقر للمقر له، لأنه أدعى ما يبطل إقراره؛ لأنه أدعى أنه لم يكن له قط، وعلى هذا الاعتبار لا يصح إقراره بالملك لغيره، وقد صدقه المقر له في ذلك فبطل إقراره.
وأما إذا صدقه المقر له في الإقرار، وكذبه في النفي بأن قال المقر له الدار كانت للمقر وهبها لي بعد القضاء وقبضتها منه، ذكر في «الكتاب» أن الدار تدفع إلى المقر له، وهذا الجواب ظاهر فيما إذا بدأ بالإقرار، ثم بالنفي؛ لأنه يدعي بطلان الإقرار بعد صحته ظاهراً، والمقر له كذبه في بطلان إقراره، فلم يبطل إقراره، ويضمن قيمة الدار في هذا الوجه للمقضي عليه؛ لأن في زعمه أنه صاحب الدار، وقد عجز عن تسليمها بسبب إقراره الأول، فيضمن قيمتها كما لو انهدمت الدار. يشكل فيما إذا بدأ بالنفي، وفي هذا الوجه ينبغي أن لا يصح إقراره، لأنه لما بدأ بالنفي، فقد أكذب شهوده فيما شهدوا به؛ لأنهم شهدوا أن الدار من الأصل له، وقد أقر أنها ليست له من الأصل، وأقر ببطلان القضاء، وأن الدار ملك للمقضي عليه، فإذا قال بعد ذلك: ولكنها لفلان حصل مقراً بملك الغير، فينبغي أن لا يصح إقراره والجواب: أن تصحيح إقراره واجب ما أمكن، وأمكن تصحيح