للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجب، فإن قالا: رأيناه فيه اليوم أو أمس أو منذ ثلاثة أيام قبل القاضي ذلك، وأمر بالختم؛ لأن الظاهر أنه حاضر، فتتحقق الجناية لكنه أخفى نفسه كما قال المدعي، وإن كانت الرؤية قد تقادمت لا يقبل ذلك منهما؛ لأن الرؤية إذا تقادمت يحتمل أنه سافر بعد الرؤية، قبل الدعوى، فلم تتحقق الجناية، ثم جعل ما زاد على ثلاثة أيام متقادماً، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: الصحيح أن ذلك مفوض إلى رأي القاضي.

وإن تقادمت رؤية الشاهدين، إلا أنه كان لا يمكن للمدعي الدعوى لتأخر خروج قرعته، بأن كان القاضي أقرع بين الخصوم ليعلم كل أحد نوبة (٧١ب٤) دعواه فقبل ذلك منه، لأنه عذر.

ثم إذا أراد القاضي التسمير، فكما إذا سمر الباب من جانب السكة سمر الباب الذي هو من جانب السّطح؛ لأن المقصود جعل الدار سجناً عليه؛ لأنه لو ظفر به حبسه في السجن، فإذا لم يظفر به جعل الدار سجناً عليه، وإنما يصير البيت سجناً عليه بتسمير كلا البابين.

فإن قال الخصم للقاضي بعد ما ختم الباب ومضى أيام: قد حبس في الدار ولا يحضر فانصب لي عنه وكيلاً، أقيم عليه البينة، فإن أبا يوسف رحمه الله كان يقول القاضي يبعث رسولاً، ومعه شاهدان؛ لأن قوله غير مقبول على فعل نفسه، فيحتاج إلى شاهدين ليشهدا له بما يجري عند القاضي، فينادي الرسول على باب الخصم ثلاثة أيام كل يوم ثلاث مرات: يا فلان بن فلان القاضي يقول: احضر مع خصمك فلان بن فلان مجلس الحكم، وإلا نصبت عنك وكيلاً، وقبلت البينة عليك بحضرة وكيلك، فإذا فعل ذلك ولم يحضر نصب القاضي عنه وكيلاً، وسمع البينة عليه، وأمضى الحكم عليه بحضرة وكيله.

قال الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» : وقال غير أبي يوسف رحمه الله: لا أرى أن أنصب عنه وكيلاً، فقد بين أن هاهنا مخالف لأبي يوسف، ولم يذكر المخالف، فقيل: المخالف أبو حنيفة لا محمد رحمهما الله، فقد روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله مثل قول أبي يوسف، وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله يقول: رأيت في بعض روايات «النوادر» عن أبي حنيفة رحمه الله مثل قول أبي يوسف. ونصّ في «المنتقى» عن أبي حنيفة رحمه الله، أن القاضي لا يقضي عليه حتى يحضر.

وفي «نوادر هشام» : سألت محمداً رحمه الله ما تقول في سلطان لإنسان قبله حق، فلا يجيب إلى القاضي، فأخبرني أن أبا يوسف رحمه الله كان يعمل بالأعذار، وهو قول أهل البصرة، قال:

وصورة ذلك: أن يبعث القاضي رسولاً إليه من قبله ينادي على بابه، أن القاضي يقول: أجب ينادي بذلك أياماً، فإن أجاب، وإلا جعل القاضي لذلك السلطان الذي أبى أن يجيب وكيلاً، فيخاصم هذا المدعي فقلت له: فهل أنت تجعل له وكيلاً؟ فقال: نعم، فقلت: فلا تكون قضيت على الغائب، فقال: لا، قال: وكان أبو حنيفة لا يعمل بالأعذار.

<<  <  ج: ص:  >  >>