أن يكون لرجل على رجل دين، فيتوارى المديون في منزله، ويبين ذلك للقاضي فيبعث أمينين من رفاقه، ومعهما جماعة من أعوان القاضي ومن النساء إلى منزله بعثه حتى يهجموا إلى منزله، ويقف الأعوان بالباب، وحول المنزل وعلى السطح حتى لا يمكنه الهرب، ثم تدخل النساء المنزل من غير استئذان وحشمه فيأمرن حرم المطلوب حتى يدخلن في زاوية، ثم يدخل أعوان القاضي، ويفتشون الدار غرفها وما تحت السرر حتى إذا وجدوه أخرجوه، وإذا لم يجدوه يأمرون النساء حتى يفتشن النساء فربما تزيّا بزي النساء، فهذا هو صورة الهجوم فإذا طلب المدعي ذلك من القاضي، هل يفعل القاضي؟
قال صاحب «الأقضية» : وسع فيه بعض أصحابنا قالوا: أراد به أبا يوسف رحمه الله، فقد روى عنه أنه كان يفعل ذلك في زمن قضائه، وقد روي عن هشام عن محمد رحمه الله مثل هذا أيضاً، وأصل ذلك ما روي عن عمر رضي الله عنه: أنه هجم على بيت رجلين أحدهما قرشي، والآخر ثقفي بلغه أن في بيتهما شراب، فوجد في بيت أحدهما دون الآخر، وكذلك هجم على بيت ناصبة بالمدينة، وأخرجها وعلاها بالدرة حتى سقط الخمار عن رأسها، وعن هذا قال أصحابنا رحمهم الله: لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين، والدخول فيه من غير استئذان، إذا سمع منه صوت فساد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: ظاهر المذهب عندنا أنه لا يجوز الهجوم للقاضي؛ لأن فيه هتك ستر المسلم، وهتك حرمة محارم المسلم، وذلك لا يجوز.
وإن رأى القاضي أن يعطي المدعي طينة أو خاتماً لإحضار الخصم جاز؛ لأن المقصود إحضار الخصم، وكما يحصل هذا المقصود بالراحل يحصل بالعلامة، وفي العلامة لا يحتاج المدعي إلى أن يحمل مؤنة الراحل، فكما جاز بعث الراحل فكذا يجوز بعث العلامة من طريق الأولى، والقضاة في هذا مختلفون، بعضهم اختاروا دفع طينة، وبعضهم اختاروا قطع قرطاس، وبعضهم اختاروا دفع الخاتم، والخصاف اختار بذل العلامة في المصر، والأشخاص خارج المصر؛ لأن في المصر نقل مؤنة الراحل، فاختاروا بذل العلامة خارج المصر لهذا.
ولو أعطاه القاضي طينة أو خاتماً وذهب به إلى الخصم ينبغي له أن يقول للخصم: هذا خاتم القاضي فلان يدعوك أتعرفه، فإن قال نعم أعرفه، ولكن لا أحضر، أشهد المدعي على ذلك شاهدين حتى يشهدان عند القاضي بتمرده، فإذا شهدا بذلك بعث القاضي من يحضره، أو يستعين على ذلك بالوالي، لأن الوالي نصب لإحياء حقوق الناس.
واختلف العلماء في أجرة الشخص، بعضهم قالوا: هي في بيت المال، وبعضهم قالوا: على المتمرد؛ لأنه صار جانياً بالتمرد، ولأجل ذلك احتيج إلى الشخص، فسبب وجوب هذه الأجرة كان منه، فيكون في ماله، وهو نظير ما قلنا في السارق: إذا قطعت