للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآن والتضليل في مخالفة الإجماع، فإذا انعقد الإجماع لا تتحقق المخالفة، فلا يؤدي إلى الإضلال، كان الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله يقول: لا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله، أن إجماع المتأخرين يرفع الخلاف المتقدم؛ لأن حد الإجماع قد وجد والدليل الموجب لكون الإجماع حجة لا يوجب الفصل، فكان هذا القضاء في غير محل الاجتهاد، فلا ينفذ عند الكل، فكان ما ذكر في «الكتاب» أنه لا ينفذ قضاؤه قول الكل، وما يقول بأنه يؤدي إلى تضليل بعض السلف.

قلنا: لا يؤدي لأنا نجعل هذا الإجماع بمنزلة البيان، أن ما أدى إليه اجتهاد المخالف في الصدر الأول يبدل الآن، وصار بمنزلة ما لو كان حياً، وتحول رأيه إلى خلاف ذلك، وإنما حملنا على هذا حملاً لأمر المسلمين على إجماعهم على ما يحل لهم على تعين الحق والصواب في قولهم، وصيانة لهم عن تضليل من كان قبلهم، قال القاضي الإمام الكبير أبو زيد رحمه الله في «تقويمه» في آخر فصول الإجماع: إن محمداً رحمه الله روى عنهم أنه لا ينفذ القضاء أنه لا ينفذ من غير ذكر خلاف.

وفي الباب الأول من أقضية «الجامع الكبير» أن قضاء القاضي بجواز بيع أم الولد يتوقف على إمضاء قاض آخر، وهو الأصح، والوجه في ذلك: أن العلماء اختلفوا على أن بيع أم الولد هل بقي مختلفاً فيه؟ قال أصحابنا: لم يبق مختلفاً فيه كما ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن الإجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم.

ومن العلماء من قال: لا يرفع، فبقي مختلفاً، فكان في كونه مختلفاً فيه اختلاف، فيتوقف على قضاء قاض آخر، فإن أمضاه قاض آخر بعده لا يكون لأحد بعد ذلك إبطاله، وإن أبطل قاض آخر بطل، لا يكون لأحد بعد ذلك أمضاؤه، وهو كذلك هذا الحكم في كل حادثة اختلف (٧٧أ٤) الناس فيها أنها مختلفة، أو ليست بمختلفة أن قضاء القاضي فيها يتوقف على إمضاء قاض آخر، إن إمضاه قاض آخر ينفذ، وليس لأحد بعد ذلك إبطاله، وإن أبطل قاض آخر بطل، وليس لأحد بعد ذلك إمضاؤه.

وفي «الزيادات» : لو أن المسلمين أسروا أسارى من أهل الحرب، وأحرزوهم بدار الإسلام، ثم يظهر عليهم المشركون، ولم يحرزوهم بدار الحرب حتى ظهر عليهم قوم آخرون من المسلمين، وأخذوهم من أيديهم في دار الإسلام، فإنهم يردون على الطريق الأول اقتسم الفريق الثاني، أو لم يقتسموا؛ لأنه لم يثبت للكفار فيهم ملك ولاحق ما داموا في دار الإسلام، لبقائهم في أيدي الفريق الأول من حيث الحكم والاعتبار، فصار أخذ الفريق الثاني من الكفار في دار الإسلام كأخذهم من الفريق الأول على الفريق الأول.

قال: في «الكتاب» : إلا أن يكون الذي قسم بين الفريق الثاني يرى ما صنع المشركون ملكاً وإحرازاً فحينئذ كان الفريق الثاني أولى بملك فقال: لأن هذا مما يختلف فيه الفقهاء.

ومعناه أن العلماء اختلفوا في أن مجرد الاستيلاء من الكفار ملكاً، وقسم بين

<<  <  ج: ص:  >  >>